رهان الأمر الواقع !
عندما احتلت اسرائيل ضفة وهضبة وقطاعا وشبه جزيرة في حرب حزيران قبل نصف قرن راهنت على ما سماه البرزاني الامر الواقع، وهو ايضا يراهن بالاسلوب ذاته على الامر الواقع، وكانت ديّة الاحتلال معروفة مسبقا تماما كديّة الانفصال، فالشجب والاستنكار يعيشان في زمننا بضعة ايام فقط؛ لأننا نعيش كما قال الشاعر ناظم حكمت في وقت لا يذكر الناس فيه موتاهم اكثر من اسبوع، لكن ما هو التعريف الدقيق لعبارة الامر الواقع؟ هل هو الحصول على بوليصة تأمين سياسية ودولية من القوى الفاعلة ام اطمئنان لمواقف سريّة، تماما كما يفعل الاب الجائر وذو النفوذ حين ينهر ابنه المتطاول على الناس لكنه يشجعه سرا على المزيد من التمادي.
والامر الواقع هو ما تنتهي اليه الامور بعد وقوع الفأس في الرأس، إذ لا يجدي البكاء على الحليب المسكوب كما يقول مثل انجليزي، هذا بالرغم من ان المسكوب في عالمنا العربي هو الدم والدموع!
ان نظرية الرهان على الامر الواقع هي من صميم شريعة الغاب ولا تليق بأول شريعة في التاريخ صاحبها عراقي اسمه حمورابي! لكن التاريخ لا يكترث بمثل هذا الرهان؛ لأنه لو كان صحيحا لما انتهت امبراطوريات حكمت العالم او ما كان مكتشفا منه الى اطلال!
ان كل محاولات البشر في الاصلاح والتطور والثورات هي مضادات للامر الواقع، وللمقولة الخرقاء ليس بالامكان افضل مما كان، فالاحتلال لن يدوم الى الابد، والانفصال ليس الفصل الختامي في الدراما العراقية، لهذا فالرهان يجب ان يكون على التغيير وضد الامر الواقع وليس عليه، واذا كان هناك قائمة سوداء لمحاصيل احتلال العراق والاهداف غير المعلنة له، ففي مقدمتها الانفصال وحرمان الرافدين من التيّار بعد ان يقسما بين الطوائف والاعراق في الجرار! والتاريخ لن يتوقف الليلة او غدا او حتى بعد الف عام، لهذا فالرهان على بقاء الحال محال!!