قِنابة..
أحمد حسن الزعبي
جو 24 :
أجمل ما في الذاكرة ،أنها الشيء الوحيد الذي تبقّى لنا غير قابلٍ للبيع أو الاستثمار ، وأنها الشيء الوحيد الذي لا يمكن أن تحشو به أحداثاً لاحقة أو شخصيات جديدة لم يكن لها دور مهما بلغت واسطتها أو سطوتها ، هي صورة مقفلة على المكان والزمان والشخوص لن تجدي معها كل عمليات الفوتوشوب..
كلما تأزم المشهد الذي أمامي وصار «سيرالياً» أكثر..هربت من ثقوب الذاكرة لأتفرّج على ما كان..أتفرج على «الأمهات الشتويات» اللاتي يخرجن بلايز «التريكو» والمعاطف الثقيلة وطواقي الصوف يعدن توزيعها على الأولاد ،يقدّرن القديم منها على الأجساد الجديدة النامية فيفرح الأولاد بالامتلاك المؤقت وكأنها لم تلبس من قبل ..وعندما ينال الجميع حصّته من «دفء الشتاء القادم» بعد أن ترتق الرقبة وتصلّح الأزرار وتكفّ الأكمام...ينتقلن إلى فراش العيلة ، يرفعن الأغطية الصيفية في أعالي المطوى ، وينزلن اللحف الصوفية لتكون بمتناول «البرد» وقتما حلّ..
كلما تأزم المشهد الذي أمامي وصار «سريالياً» أكثر..هربت من ثقوب الذاكرة لأتفرّج على ما كان..أتفرّج على «أمهات الرغيف» اللاتي يجمعن قنابة الزيتون من الحارات ويضعنها أمام فم فرن الطابون الطيني ، عند المساء يقمن بجرّ الأغصان اليابسة ، و»الجذوع» المقصوصة، والأغصان المفرغة تماماً من خواتم الزيتون الأخضر ،وتكّوم أمام «الفرن» مونة للشتاء القادم..خيط دخان طفيف يتصاعد من فوهة الفرن الذي يحرق الحطب على مهل ، هو لا يستعجل الجمر ،هو يدخن الأغصان وحطب الأشجار على مهل ، يتذوّق طعم خشب اللوز، وقنابة الرمان الذي خلع آخر أجراسه ، ثم يدخن سيجارة النوم على ورق الزيتون اللاذع..
في تشرين تقصّ الأشجار أظافرها الطويلة ، وتدوزن «الغرّة» التي تهدّلت وغطت على عين الريح ، يتهاوى غرور الدراق قليلاً، ويبحث الكرز عن رشاقة جذعه أكثر فيرقص للمقص ،ويتخلص الزيتون من أغصانه المطأطئة أرضاً، يتبرأ من هذا الخنوع ، ويتبرأ من هذا الانكسار ، فالزيتون مِكحلة الشمس لا تقبل ان يولد من جذعها من ينبطح او يذلّ..في تشرين تجمع هذه القنابات..يسيّج بها زرائب الخراف البيتية الوادعة ، أو توضع في قائمة الاحتراق امام الطابون..
في ذاك الزمان.. لم نكن نجوع أو نخاف أتعرفون لماذا؟؟ لأن الرغيف كان ينضج على أمزجة كثيرة ..مزاج الدراق والخوخ والكرز والزيتون وكفّ أمي..كيف لمن تذوّق هذا المزيج العظيم أن يهاب أو يجوع أو يتذلل على «شبّاك الدعم الحكومي»..
كلما تأزم المشهد الذي أمامي وصار «سيرالياً» أكثر..هربت من ثقوب الذاكرة لأتفرّج على ما كان..أتفرج على «الأمهات الشتويات» اللاتي يخرجن بلايز «التريكو» والمعاطف الثقيلة وطواقي الصوف يعدن توزيعها على الأولاد ،يقدّرن القديم منها على الأجساد الجديدة النامية فيفرح الأولاد بالامتلاك المؤقت وكأنها لم تلبس من قبل ..وعندما ينال الجميع حصّته من «دفء الشتاء القادم» بعد أن ترتق الرقبة وتصلّح الأزرار وتكفّ الأكمام...ينتقلن إلى فراش العيلة ، يرفعن الأغطية الصيفية في أعالي المطوى ، وينزلن اللحف الصوفية لتكون بمتناول «البرد» وقتما حلّ..
كلما تأزم المشهد الذي أمامي وصار «سريالياً» أكثر..هربت من ثقوب الذاكرة لأتفرّج على ما كان..أتفرّج على «أمهات الرغيف» اللاتي يجمعن قنابة الزيتون من الحارات ويضعنها أمام فم فرن الطابون الطيني ، عند المساء يقمن بجرّ الأغصان اليابسة ، و»الجذوع» المقصوصة، والأغصان المفرغة تماماً من خواتم الزيتون الأخضر ،وتكّوم أمام «الفرن» مونة للشتاء القادم..خيط دخان طفيف يتصاعد من فوهة الفرن الذي يحرق الحطب على مهل ، هو لا يستعجل الجمر ،هو يدخن الأغصان وحطب الأشجار على مهل ، يتذوّق طعم خشب اللوز، وقنابة الرمان الذي خلع آخر أجراسه ، ثم يدخن سيجارة النوم على ورق الزيتون اللاذع..
في تشرين تقصّ الأشجار أظافرها الطويلة ، وتدوزن «الغرّة» التي تهدّلت وغطت على عين الريح ، يتهاوى غرور الدراق قليلاً، ويبحث الكرز عن رشاقة جذعه أكثر فيرقص للمقص ،ويتخلص الزيتون من أغصانه المطأطئة أرضاً، يتبرأ من هذا الخنوع ، ويتبرأ من هذا الانكسار ، فالزيتون مِكحلة الشمس لا تقبل ان يولد من جذعها من ينبطح او يذلّ..في تشرين تجمع هذه القنابات..يسيّج بها زرائب الخراف البيتية الوادعة ، أو توضع في قائمة الاحتراق امام الطابون..
في ذاك الزمان.. لم نكن نجوع أو نخاف أتعرفون لماذا؟؟ لأن الرغيف كان ينضج على أمزجة كثيرة ..مزاج الدراق والخوخ والكرز والزيتون وكفّ أمي..كيف لمن تذوّق هذا المزيج العظيم أن يهاب أو يجوع أو يتذلل على «شبّاك الدعم الحكومي»..