أفراد لا يقبلون الجمع!!
في غياب السياق او النسق سواء سياسيا او ثقافيا تبطل مفاعيل الافراد رغم تفوق بعضهم، وامتلاكهم كل العناصر التي تؤهلهم لأن يلعبوا ادوارا مهمة في حياتنا، انهم قطرات ماء متباعدة، لا يحتشدون في تيار؛ لذا يذبلون داخل شرانقهم ويصابون بالاحباط، فأية رياضيات قومية او وطنية تلك التي تخصصت في القسمة وحرّمت الجمع، والفرد مهما بلغ من الحيوية والعبقرية يبقى عاجزا عن تحقيق هدف كبير، لأنه محكوم عليه بالعزف المنفرد على ناي شجي او ربابة وليس عضوا في اوركسترا تتناغم الآتها ويتكامل عازفوها في سيمفونية !
لكن لماذا يغيب السياق ؟ وهل الامر مجرد مصادفة ام هو نتاج ثقافة تضخمت فيها الذات الفردية حتى تسرطنت؟ ان التسرع بالاجابة على سؤال جذري كهذا لا بد ان يكون اختزاليا ويفوته الكثير، فالعمل الجماعي او ما يسمى روح الفريق لا ينشأ بمبادرة فردية او لمجرد الحلم بتحقيقه، وقد يكون اهم ما ينجزه مجتمع وهو يطمح الى التغيير والتطور هو ان يكون الحلم قاسما مشتركا بين افراده وهذا يتطلب قدرا من التجانس في الذاكرة والوعي، وهناك قصيدة يابانية مما يسميه اليابانيون شعر الهايكو من سطر واحد فقط، عن رجلين يجلسان وقد أدار كل منهما ظهره للاخر، فأحدهما ينظر الى البحر والاخر الى الجبل لكنهما يفكران معا ويحلمان معا!
وفي عالمنا العربي هناك افراد لا يقلون في ابداعاتهم العلمية والثقافية عن اي افراد في هذا الكوكب ومنهم من نالوا اعترافا كونيا لكنهم غير قابلين للجمع، وحين يعودون الى بلدانهم رغبة منهم في خدمتها يصدمون ويهاجرون مرة اخرى الى حيث توجد سياقات تتسع لهم واوركسترا يعزفون فيها مع زملائهم بتناغم.
وقد يكون ما كتبه هشام شرابي في كتابه الجمر والرماد مثالا مأساويا يجسد احباط المثقف العربي اذا قرر ان يخدم وطنه؛ لأنه سرعان ما يجد نفسه وعلمه يتيمين على موائد الأميين واللئام !!