jo24_banner
jo24_banner

ورق و ليل

أحمد حسن الزعبي
جو 24 : الخميس الماضي ، استعدت أجواء الثمانينات بكل تفاصيلها..

طقس شتوي ممعن في الجديّة ،فروة تحيط بي كقبة صغيرة، دلة القهوة السادة على يميني، ورضا عن النفس يعمر صدري بعد أن أنجزت كل الأعمال المعلّقة ، فقد وضعت أفكاراً للكتابة ، واجّلت تعاطي الكآبة ، ولبّيت جميع مطالب العائلة بإخلاص وأمانة، ولم يتبق عليّ سوى أن أتخلص من وسائل القلق المدنية؛ ضغطت على هاتفي المتحرّك بكبسة "الإغلاق" ،طويت "اللاب توب" خلف "خزانة الحجة"، ثم تسللت الى فراشي باستسلام لا غالب ولا مغلوب..

كنت أسال نفسي كلما أرهقتني الدنيا...ما هي وسائل الطمأنينة والسلام يا ترى؟...لأكتشف أن السلام والطمأنينة لا يحتاجان إلى وسائل أصلا، وإنما أن تتخلص من كل الوسائل التي بين يديك... ارتديت بيجامتي ذات المطاط "الرخو"، تناولت رواية "زوربا" من جديد، وقمت بضبط "صوت نجاة الصغيرة وهي تغني"حبيبي يا موكب حب" ليناسب النكهة الليلية..

رائحة الخبز تنبعث من سجادة صلاة لفّ بها ثلاثة أرغفة (رصيد ما بعد العشاء) ، قشور برتقال "أبو صرة" و"دم الزغلول" في صحن اسفل طاولة التلفزيون ، كرسي صلاة أمي يحجز بيني وبين صورة "جمال ريان" ، أكواب المياه مقلوبة في قاع الغرفة بعد أن عبث بها الصغار، دهون "أبو فاس" يرتفع ظلّه المضخم على الحائط كمئذنة ، أما شجرة الخوخ فظلت تمارس وظيفتها الأزلية منذ ألف مربعانية ؛التمايل مع الرياح الغربية، وتمشيط الليل مجبرة بأغصانها العارية..

اقرأ صفحة من "زوربا"، ثم اقرأ "صفنة" من ظلال الشجرة وهي تنسخ العتمة على زجاج النافذة، صوت المزراب المتقطع ، يزيدني التصاقاً بوسادتي، وطقطقة المطر على برواز النافذة يبدو بطيئا تارة وسريعاً تارة أخرى، كطفل صغير يرتدي للمرة الأولى حذاء أمه... لا أشهى من دفء الليل إلا صوت الورق وهي يحك بقماش لحافي أو خشونة لحيتي..ولا أزكى من رائحة الورق المصفرّ والمعتق بالحبر والرطوبة وعرق أبطال الرواية وكاز المدفأة إلا رائحة الأغلفة من الداخل...هنا طويت صفحة في قراءة سابقة ترى ما الذي أدهشني بهذه الصفحة؟ فأعود واقرأها..بقلم رصاص خط متعرج تحت سطر في الفقرة الثانية..يا لروعة العبارة، فأعود وأحفظها ...ولأن الكتاب يتربع على صدري مثل طفل مدلل ، مرة أخرى تحتك صفحة جديدة بلحافي وخشونة لحيتي المهملة منذ أيام...يااااه ما أجمل صوت الحرف وهو يذكّر بنفسه بين يدي بعد طول غياب..وبعد ان دقت الساعة الثانية صباحاً، وضعت علامة في منتصف الرواية..ثم أغلقتها ووضعتها فوق وسادتي كجدار استنادي للحلم...

**

اذا ما مت، آمل ان أنال بعضاً من الموت المخفّفْ..

لا تكفنوني أو تلحّدوني...

فقط افتحوا كتاباً واطبقوه علي..

مثل رسائل العشاّق و الورد المجفّف..


ahmedalzoubi@hotmail.com
تابعو الأردن 24 على google news