نـواجــه أصـعــب امتـحـــان..!
الان بوسعنا ان نفهم ما جرى من تحولات في منطقتنا على مدى الشهور الماضية على الأقل، فقد ثبت ان عالمنا العربي أصبح "قيد التصفية”، وان الدول الكبرى في الإقليم، تركيا وايران تحديداً، ستدخلان في مرجلة تقليم الأظافر لتحديد ما يلزمهما من نفوذ يتناسب مع مصالح الكبار وأطماعهم ،اما أمريكا التي تغلغلت لعقود طويلة في منطقتنا بحروبها العسكرية فقد "انكفأت” عن دور المواجهة المباشرة، واًصبحت تدير مصالحها عن طريق وكلاء حصريين، وبالتالي فإنها "ستقامر” بكل ما لديها دون ان تراعي مصالح حلفاءها القدماء او ان تضع أي اعتبار لما كانت تسير عليه سابقاً من توازنات وارضاءات ومعارك لكسب القلوب والعقول.
ما حدث لم يكن مفاجأة، فقد استنفدت الأقطار العربية ارصدتها وادوارها، كما ان النظام السياسي العربي أصبح مكشوفاً تماماً...ومع سقوط بعض الأنظمة والعواصم، ونهوض التنظيمات المتطرفة، واحتدام الصراع على الرجل العربي المريض، وامتداد الفوضى وفيضانها وراء الحدود العربية، بفعل ذاتي وخارجي معاً، بات من المتوقع ان يستغل الاخر، أمريكا او غيرها، هذا الواقع الكارثي لفرض اجنداته ويصفي حساباته، وينقض على ما تبقى من "دول” تتآكل وتتصارع على البقاء وقليل من شهوة "النفوذ” والزعامة.
الآن نحن امام مرحلة جديدة، وخطيرة ايضاً : إنهاء ملف القدس وفلسطين، زعزعة ايران، شق البناء العربي المتشرذم أصلا، فرض الامر الواقع على كل دولة، كلها ستكون برسم "تصفية الحسابات” لهذا العام الذي دخلناه، صحيح ان ثمة من يحاجج بأن الشعوب العربية لم تنقرض بعد وان لديها من الحيوية ما يمكنها من المقاومة، او من يراهن على نهاية عصر "ترامب” أو على الغرب الذي يقف ضده، لكن الصحيح هو ان لدى معظم أقطارنا العربية ما يلزم من قابلية للاستسلام للأمر الواقع، والمزاودة على الآخر في تحقيق مصالحة حتى لو كان الثمن رأس العرب جميعاً.
يبقى سؤال ما العمل حاضراً ومستفزا في آن معاً، خاصة لمثل بلدنا الذي يواجه أصعب الظروف والخيارات، ومع ذلك لابدّ ان نجيب عليه بكل أمانة وصراحة، وحسبنا ان ننتبه لمسألتين: اولاهما ان بوصلتنا يجب ان تتوجه نحو "الداخل” حيث الجبهة الداخلية هي صمام الأمان، ومفتاح الحل للخروج من أي ازمة او حصار، أما المسألة الأخرى فهي ان دليلنا الى المواجهة هو مصالحنا الوطنية الكبرى، حيث يتقدم الدفاع عن الوجود على أولويات التحالفات والصراعات على الحدود، وحيث العمق العربي مهما كان ضيقاً أفضل بكثير من الاستغراق في لعبة "الإقليم” ودوله التي تحولت الى حيتان تأكل كل شيء دون ان تترك للأخرين أي نصيب.
باختصار، يجب ان نبدأ الاستعداد لمرحلة ما بعد "النار والغضب”، وما بعد تصفية الحسابات وفوضى البحث عن "الزعامات” في منطقتنا، فبلدنا يواجه أصعب امتحان في تاريخه، وعلى الأردنيين ان ينتبهوا لموضع اقدامهم في عام جديد سيفرض ضرائبه على الجميع.