النواب واستعراض ما بعد الرفع..!
جو 24 :
تامر خرمه - عندما يفقد أحدهم ماء وجهه، نتيجة اتخاذه موقف سلبي، رغم علمه لتداعيات ما فعل على صورته في أذهان الآخرين، فإن هنالك تدابير مختلفة يمكن اتخاذها، وفقا لشخصية الفرد. البعض -وهم قلة- يمتلكون شجاعة الاعتذار، بل والاستقالة من مناصبهم، في حال كانوا يعملون في الحقل العام. البعض الآخر "البراغماتي" ينتظر حتى هدوء العاصفة، ونسيان الناس لما حصل، قبل أن يتوسط الأضواء مجددا.
ولكن في الأردن، وتحديدا في مجلس النواب، هنالك استثناء فريد، يختلف عن التدبيرين المذكورين. ففي البرلمان نماذج تستحيل مشاهدتها في أية سلطة تشريعية شهدتها البشرية، منذ نشوء مفهوم الدولة الحديثة. بعض "ممثلي الشعب" يلجؤون إلى أساليب غريبة عجيبة، لتجميل صورة مجلسهم، بعد أن ينحاز ضد الغالبية العظمى من الناخبين، ويتخذ مواقف تتناقض تماما مع دوره الجوهري: تمثيل الناس.
ما أن منح البرلمان الشرعية النيابية لحكومة د. هاني الملقي، المنحازة لمصالح البرجوازية المتطفلة على خبز الناس، لتمعن في سياساتها الاقتصادية المشوهة، حتى بدأ بعض أعضاء المجلس بالاستعراض، والعمل على خلق "بطولة" وهمية، عبر طلب لا يمكن وصفه سوى بمحاولة ركيكة لتسطيح المعضلة.
النواب توجهوا إلى الحكومة بطلب زيادة ٥٠ دينارا على رواتب العاملين في القطاعين، العام والخاص، وكأن هذه الزيادة -إن منحت- ستعوض ما يمكن ذكره مما انتزع منهم من ضرائب غير عادلة. البرجوازية تعفى من مسؤولياتها ليدفع الفقراء الثمن باهظا، ويتحملون نتائج فشل هذه السياسات الاقتصادية، كالعادة، ثم يقرر نوابهم "التصدق" عليهم بشيء مما انتزع منهم.
هي ذات العقلية التي تفكر بها الحكومة، فكلتا السلطتين تفكران داخل صندوق الحلول المشوهة والمتجزأة. في البدء برر الملقي قراراته بأنه يسعى إلى إزالة "التشوهات"، وعوضا عن إقرار نظام ضريبي عادل، فرض المزيد من الضرائب على الغذاء والدواء. "التشوهات" بالنسبة للرجل تقتصر على دعم خبز الناس.
أما المجلس الذي يصر على عدم خلع طربوش الحكومة عن رأسه، فيطالب بالعودة إلى سياسة المكارم والهبات، عوضا عن تمثيل الناس والعمل على منحهم حقوقهم المشروعة. ولكن الكارثة الكبرى أن مجلس النواب يفكر بمنطق إمكانية رشوة الناس، رغم كل مواقفه المحبطة، وهذا ما يعكس ما وراء الأكمة!