أقلام مستفزة
جو 24 :
تامر خرمه- "لا شيء أكثر مهانة من الصفعة التي لا تُرد، والجرح الذي تتستر الضحية عليه أكثر من تستر القاتل".. بهذه الكلمات اختصرت غادة السمان الكثير مما يفترض أن يقال في هذه الأيام، التي تعزف فيها بعض الأقلام كل ما تيسر من نشاز، عبر محاولة مفضوحة، لاعتناق المازوشية دينا، ونمط حياة.
أن تعض على جرحك، وتتقبل صفعتك بكل ما أوتيت من ذل، هو الترجمة الحرفية لمفهوم الاستسلام.. ولكن فرحتك بتداعيات هذه الصفعة، واختلاق انتصارات " دونكوشوتية" لتبرير تعايشك مع الذل، فهو ما قد يعجز حتى السيد فرويد عن تفسيره.
لا نعلم لماذا تصدّرت رئيسة تحرير يومية الغد، الزميلة جمانة غنيمات، الموقف كي تدافع عن الحكومة في وجه سيل الانتقادات الشعبية الجارفة التي تشكّلت فور اعلان الناطق الرسمي باسم الحكومة الدكتور محمد المومني "اعتذار اسرائيل من الاردن"، ولماذا اعتبرت الرافضين والمشككين بتصريحات الوزير "أصواتا مستفزة" بدلا من الدفاع عن حقّهم بالمعرفة والاطلاع على ما يبدد شكوكهم في ظلّ السقطات التي وقعت بها حكومة هاني الملقي في قضية السفارة الاسرائيلية والشهيد رائد زعيتر!
من حقّ الأردنيين الذين استفزّهم التعامل الحكومي مع القاتل "الاسرائيلي" الذي سفك دماء مواطنين بكل برود، قبل أن يستقبله رئيس وزراء العدو بكل حفاوة، ليعبر عن أقسى درجات الاحتقار لكل القيم الإنسانية، أن يتأكدوا من تحقيق العدالة في هذه القضية، وواجب على الحكومة أن تطمئنهم بعرض صورة أصلية عن الاعتذار الذي كان يُفترض أن يقدّمه نتنياهو متلفزا كما فعل لدى استقباله القاتل.
حتى وإن صحت الرواية الرسمية حول "الاعتذار"، وصدرت الوثيقة بالفعل عن جلاوزة سلطة العدو، فكيف يمكن أن يعد مثل هذا "الاعتذار" انتصارا ديبلوماسيا للأردن، الذي يواصل معركته لحماية حقه بالوصاية على مقدسات زهرة المدائن، في ظل استخفاف "اسرائيل" بهذا الحق. القضيتان لا يمكن فصلهما، والاعتذار لن يعيد الشهداء إلى قيد الحياة، ولن يوقف الانتهاكات المستمرة للمقدسات.
تخيل لو كان الوضع معكوسا.. لو أن أردنيا قام بقتل صهاينة في أية بقعة من هذا العالم، هل سيكتفي المجتمع الدولي بكلمة "آسفون" ، أم أن مثل تلك الحادثة -إن وقعت- ستكون حجة لاستحضار أشباح الهولوكوست المزعوم من قبورهم، من أجل حرق المنطقة برمتها؟!
مؤسف أن يبلغ الاستخفاف بدماء الأردنيين تلك الدرجة. ولا نعلم كيف بات دم الأعداء أغلى من دمائنا لدى البعض. ونستغرب كيف يُطلب من الناس أن يرفعوا القبعات للدبلوماسية الأردنية، التي أتاحت عودة طاقم سفارة الاحتلال دون تحقيق العدالة، ومحاسبة القتلة وفق ما يستحقون، ومؤسف التعامل مع ذلك الاعتذار بكلّ تلك السرّية بدلا من كشفها للناس ووضع نتنياهو في موقف محرج أمام وسائل الاعلام العبرية على الأقل!
رفع القبعات أو الرؤوس أو أي عضو من أعضاء الجسد، يستوجب انتصارا حقيقيا يصون كرامة ودم الناس، وليس مجرد اعتذار سري خجول، على هامش واقع استمرار الاعتداءات على القدس، والهرولة نحو "صفقة القرن" لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن. أما الأصوات المعارضة لهذا الواقع، والتي "استفزت" بعض الأقلام، فإنها -مع الأسف- غير كافية لمواجهة هذا النشاز، لمحترفي العزف على أوتار تعرية الذات!