لعبة العبث في مشاورات الطراونة لاستنساخ الرئيس المنتظر
كتب تامر خرمه
لعبة المشاورات التي يجريها رئيس الديوان الملكي فايز الطراونة مع الكتل النيابية حول رئيس الحكومة المقبل، قد تبدو طريفة إلى حدّ ما، غير أن المصيبة تتمثل في قناعة النظام بجدوى مثل هذه اللعبة التي من شأنها أن تتمخّض عما يمكن تسميته بـ "اللاشيء المحض".
بكلّ ما أوتي من منابر إعلاميّة، يصرّ النظام على تكرار مصطلحات من قبيل "الحكومة البرلمانيّة" و"الإنجازات السياسيّة" و"القوائم الوطنيّة".. حتى باتت هذه المفردات بريئة من دلالاتها براءة السلطة من إرادة الإصلاح.
القوائم الوهميّة التي أفرزتها انتخابات -لا نعلم الجدوى من إجرائها- تفتقر إلى الحدّ الأدنى من الانسجام بين أعضائها ومكوّناتها التي التقت على شخص رئيس القائمة دون محاولة صياغة أيّ طرح يمكن تسميته بالبرنامج، ولو من قبيل المجاز السياسي، ما أدّى بطبيعة الحال إلى تعثّر هذه القوائم في أولى خطواتها تحت القبّة، وفشلها بإنجاح "التحالفات" المتعلقة بانتخاب رئيس المجلس النيابي، قبل أن يتمّ استدعاؤها "للتشاور" حول رئيس الحكومة المقبلة !
"كتلة وطن" التي تأرجحت بين حبال السيرك السياسي وتنقلت من تحالف لآخر قبل أن تنسحب من "معركة" رئاسة البرلمان، لم تكن أفضل حالا من "التجمّع الديمقراطي" الذي انقلب على تحالفه مع "الوسط الإسلامي" ومنح أصواته للحرس القديم، بعد انتهاء الجولة الأولى من تلك الانتخابات، التي أوصلت وزير الداخليّة الأسبق سعد هايل السرور إلى رئاسة المجلس، رغم تصريحات "الزوّار الجدد" الذين أكّدوا فيها وعبر أكثر من مناسبة رفضهم لانتخاب أي من رؤساء المجلس السابقين.
فشل التحالفات بين الكتل النيابيّة المختلفة كان نتيجة طبيعيّة لعدم انسجام أعضاء الكتلة الواحدة، بالإضافة إلى عجز نوّاب النموذج الصوري للديمقراطيّة عن مواجهة قرارات وتوجيهات المركز الأمني السياسي، الذي بدا واضحاً أنّه يميل -في هذه المرحلة بالذات- إلى إعادة تدوير مهمّات "الحرس القديم"، منذ إعلان تكليف فايز الطراونة رئيساً للديوان الملكي.
وفي ظلّ هذه الحالة الهشّة لما اتفق على تسميته بـ "القوائم الوطنيّة" فإن أي نوع من "المشاورات" لا يمكن له إلا أن يكون وسيلة للتعبير عن الصفقات الجانبيّة والمقايضات التي تعتزم السلطة إبرامها، لضمان برلمان خال من أي شغب سياسيّ، أثناء صياغة وطرح القرارات المستقبليّة، وخاصّة وأن كافّة المؤشّرات تؤكّد إقبال الأردن على مرحلة عصيبة من قرارات التأزيم والمغامرة.
جوائز الترضية والتعيينات الجديدة التي ستنبثق عن هذه "المشاورات" ستكون على حساب الوطن الذي سيدفع كلفتها كالعادة، وفي نهاية الأمر سيعتبر الرسميّون أنهم قدّموا "تنازلات سياسيّة" و"خطوات حكيمة" نحو تلبية المطالب الشعبيّة المتعلّقة بالإصلاح، بل قد يطرح البعض نتائج هذه المسرحيّة على أنّها قفزة عملاقة باتجاه "الحكومات البرلمانيّة".
ويبدو الطراونة في مسرحيّة "المشاورات" حاسماً في توجّهاته واملاءاته عندما يخرج تلك الورقة من جيبه، ويعرض فيها 70 مقعداً في مجلس الأعيان، وعشرين شاغراً في "الدوّار الرابع"، وعشر مناصب لأمناء عامّي الوزارات المرتقبين، ومناصب أخرى متفرّقة هنا وهناك، لينتزع دور البطولة المطلقة في تلك المسرحيّة التي لا يتقن بقيّة المشاركين فيها غير أدوار الكومبارس.
إحكام القبضة على المجلس النيابي، وتسويق الأمر على أنّه ارتقاء للحالة الديمقراطيّة، يمكن تفسيره بالتوجهات الاقتصاديّة للسلطة التي لن تجد أفضل من رئيس الحكومة الحالي د. عبدالله النسور لتطبيقها، ما يعني أنّه لا حاجة لتغيير الوجوه واستعادة البخيت أو الروابدة أو غيرهما لتشكيل الحكومة المنتظرة، ومن جهة أخرى لا يمكن إضافة أيّ من عناصر التشويق لهذه المسرحيّة في حال تمّ إدراج اسم جديد على قائمة رؤساء الحكومات التي تتقن تنفيذ تعليمات المركز الأمني- السياسي على أكمل وجه، ولكن يبقى النسور هو الأكثر دقّة بينها ولا داعي لتبديله !!