مقايضة العميان والمُقعدين !
مقايضة الاعمى والمقعد هي صفقة القرون كلها، وكذلك مقايضة الطحالب والسرخسيات على سطوح المستنقعات التي تبدو خضراء، لكنها من فصيلة ما يسمى في ادبيات تراثنا خضراء الدمن!.
الاعمى الذي اعنيه ليس فاقد البصر الذي لا حول له ولا قوة، والذي قد يكون متسولا على باب مسجد او على الرصيف وقد يكون بفضل ارادته الباسلة وعبقرية بصيرته، طه حسين او بورخيس او بشار بن برد او المعرّي، والمقعد الذي اعنيه ليس من اصابه الشلل في جسده ومضى يعد ايامه ولياليه بانتظار الموت، لكن هناك مُقعدين حكموا العالم منهم رئيس امريكي ومنهم فلاسفة وفنانون وشعراء عظام، وهؤلاء شأن عميان البصر لا البصيرة لا حاجة بهم الى المقايضات بحيث يجلس الكسيح على كتفي الاعمى ويكون له العينين اللتين يرى بهما الطريق بينما يكون الاعمى بمثابة ساقين تسعيان!
وبقدر ما نحترم فاقد البصر والمقعد وننحني لهما، ليست لدينا العواطف ذاتها ازاء مقعد الارادة وضرير البصيرة، فهؤلاء قد يكونون اصحاب مهن، او لديهم مزاعم وادعاءات بضرورة وجودهم في العالم كالملح الذي اذا فسد بلغ الفساد كل شيء! فالاحمق كما قالت سيمون دي بوفوار ذات يوم قد يجد من يعجب به ويرفع له القبعة، وهو الاشد منه حُمقا، تماما كما ان الفنان الرديء والكاتب الرديء يجدان بالضرورة من هو أردأ منهما، فتكون فرصتهم ذهبية ليصولا ويجولا وقد يرصّان الصدور باوسمة لا تتجاوز قيمتها اغطية زجاجات الكولا او الماء المعدني!
ويحرص العميان والمقعدون على المستوى الرمزي والذهني لا الجسدي على الابتعاد ما امكن عن الذين لهم عيون زرقاء اليمامة، او سيقان الغزلان، كي لا يظهر الضد قبح الضد تماما كما ان الضد يظهر حسنه الضد في سياق مُضاد!
مقايضات كتلك تؤدي بالضرورة الى قلب منظومة من المفاهيم والمعايير رأسا على عقب، بحيث يصبح الاقل قبحا بديلا للجميل والاقل غباء بديلا للعبقري والاقل كذبا وادعاء بديلا للصادق الصدوق !
اخيرا؛ ان الافاعي تشعر بلذة وانتشاء لا مثيل لهما حين تلدغ الغزلان من سيقانها!!!.