ها هم يضغطون من تحت يا جلالة الملك..
د. حسن البراري
جو 24 :
في حديثه الأخير في كلية الدراسات الدولية بالجامعة الأردنية أشار جلالة الملك عبدالله الثاني بأنه يمارس ضغطاً من الأعلى على الحكومة ومجلس النواب وطالب في الوقت ذاته بأن يمارس الشعب الضغط من الأسفل على الحكومة ومجلس النواب حتى يقوموا بدورهم. والحق أن الملك الذي لا يخشى على أو من أحد ينحاز إلى الشارع الذي وصل حد أن يفكر جزء منه بالانتحار الجماعي نتيجة لسياسات رسمية خطرة تمس حياة العباد وهي سياسات تماهى معها مجلس النواب.
أي قراءة معمقة لكلام جلالة الملك تكشف عن عدم رضاه عن أداء مجلس النواب والحكومة، وسبق وأن قال الملك في خطابات سابقة بأن بقاء مجلس النواب مرهون برضى الشعب عنه وأجزم بأنه لو أجريت استطلاعات رأي لتبيّن أن نسبة رضا الأردنيين عن المجلس لن تتجاوز هامش الخطأ! وعليه فإن الشارع غير راض عن المجلس وينتظر حله.
أما الحكومة فحدث ولا حرج، فهي حكومة عاجزة ورئيسها لا يمتلك خطابا واضحا وهو لا يتحدث إلى الأردنيين، والحق أنه يعيش في فقاعة ووهم لأنه يعتقد أن حال الأردنيين هي مثل حاله إذ لايوجد "مسخمين" مع أن نسبة عالية جدا من الأردنيين أصبحت تحت خط الفقر بسبب سياسات حكومة الملقي ومن سبقه. وكمتابع للشأن المحلي لا أذكر عدد المرات التي ظهر فيها رئيس الحكومة إلى العلن ليقنع الأردنيين أن خياراته في السياسة الاقتصادية هي صحيحة. فهو ربما لا يأبه برأي الشارع لأنه يرى بأن البقاء السياسي يعتمد على قدرته على تنفيذ برامج مفروضة من الخارج، وهو بهذا المعنى لا يقيم وزنا حقيقيا لانعكاس هذه السياسات على حياة الناس وبالتالي على الأمن الوطني.
ومن دون الدخول في التفاصيل، فالحكومة رئيساً واعضاء غير مقنعين، وهم يختبئون خلف رأس الدولة وكأن جلالة الملك يوافقهم السياسات الخاطئة وهو ليس كذلك كما أشار في أكثر من مناسبة. ويحتار المرء في تفسير ضعف الخطاب الحكومي، فهل هو نقص معلومات أم استعلاء؟! لكن علينا أيضا أن نشير إلى أن بعض الكتاب يمتلك معلومات أكثر من وزير الاعلام لارتباط هؤلاء الكتاب ببعض الشخصيات المؤثرة في دوائر التأثير من خارج الدوار الرابع. وحتى نعرف أين تسير الامور يعتمد بعضنا على مقالات كتاب بعينهم وليس على وزير الاعلام الذي لا يبدو أنه مطلع.
الأردنيون خرجوا إلى الشارع ليمارسوا الضغط كما طلبهم جلالة الملك، وهم ينتظرون رحيل الحكومة وحل مجلسي الاعيان والنواب. والشارع لن يرتاح لرحيلهم فقط وانما عندما يتم التراجع عن الضرائب الجديدة التي فرضت من دون وجه حق والغاء قرارات رفع تعرفة الكهرباء والمحروقات والسلع المختلفة، فرحيلهم دون التراجع عن قراراتهم لن يغير من الحال البائس لغالبية الاردنيين.
أشار الملك الى ضرورة تخفيض عدد اعضاء مجلس النواب إلى ثمانين، واعتقد أن ذلك يساهم في ضبط النفقات والرواتب وكذلك يحد من الفساد الاداري الناتج عن تدخل النواب في التعيينات غير العادلة. والأمر نفسه ينطبق عن مجلس الاعيان الذي لا يمكن فهم هذا العدد الهائل من الاعيان الذين يتقاضون رواتب عالية اضافة الى رواتبهم التقاعدية، فوجودهم في مجلس الاعيان لا يستلزم تفرغهم وبعضهم يدير اعماله الخاصة ولا يحتاج إلى رواتب اضافية يدفعها دافع الضرائب الاردني. وخفض النفقات يجب ان يشمل الوزراء الذين لا يكتفون برواتبهم المعلن عنها إذ يتم منحهم ما يقارب من خمسة الاف دينار شهري اضافي كما أسر لي أكثر من وزير في السابق.
هناك فرصة ذهبية للتخلص من مجلس النواب والحكومة وطي صفحة التدليس والتضليل والاستعلاء الذي يمارس جهارا نهارا، وهناك أيضا فرصة لضبط النفقات واسترجاع البيوت التي منحت لرؤساء حكومات وقادة أمنيين وبعض الوزراء. فالشارع الاردني الذي اكتوى بنيران السياسات الخاطئة يؤيد الملك إن قرر أن يقلب الطاولة على ممارسات رسمية الحقت ضررا بالغا بكل مقومات الاستقرار والبقاء للدولة.