زمن الشُطّار !!
اذا صحّ ان الفساد مُتعدد الرؤوس اذا تمأسس يصبح ثقافة سائدة فإن الغش ايضا كذلك ، لكنه يتحول الى مدار مغلق، ويصبح الفاعل بالضرورة مفعولا به والغاش للاخرين مغشوشا منهم، واذا كان لا بد من مثال فإن المهني الذي يغش زبائنه سيكون ضحية لهم في مواقف اخرى، فالحلاق والخياط والنجار وكذلك المهندس والطبيب والمحامي اذا لم يلتزموا بما اقسموا عليه سيأكل بعضهم بعضا في نهاية المطاف، ولا يسلم احد في النهاية ، تماما كما ان الفساد يشمل من بدأوا به ويدفعون الثمن ولو بعد حين، ومن يتصور انه الشاطر الذي يتفوق على الاخرين بالمكر والدهاء قد تكون سقطته مدويّة لأن غروره لا يحميه من شطّار آخرين .
وبالمناسبة هناك فيلم مأخوذ عن رواية الصديق الراحل خيري شلبي بعنوان الشطار يفتضح ثقافة الفهلوة والوصولية التي تنتهي الى تقاليد ومناخات يكون فيها الجميع من الخاسرين !
وباختصار فإن معظم الناس يشكون من الغش اذا كانوا من ضحاياه لكنهم حين يمارسونه لا يشعرون بأن جرثومته سوف تلدغهم ويصلهم الدور ! وتزدهر محاصيل الفساد والغش المتبادل في خريف الحضارات حين تغيب الروادع والكوابح ويصبح كل شيء مباحا ومتاحا .
ويقال ان احد اسباب تدهور الامبراطورية الرومانية ما اصاب المجتمع من فراغ روحي وبطالة اخلاقية ففقدوا اهدافهم، وعاشوا ليأكلوا ولم يأكلوا ليعيشوا، ويذكر احد المؤرخين انهم في نهايات امبراطوريتهم كانوا يأكلون حتى التخمة ثم يدسون اصابعهم في حلوقهم كي يتقيأوا ثم يعودوا الى التهام الطعام !
والمفارقة ان اللعنات في هذا الزمن تنصب على الغش والفساد بمعزل عن الغشاشين والفاسدين وكأنها حرب على اهداف مجردة لهذا ليس غريبا ان يكون الفساد في هذه الثقافة مجهول النسب ويكون الغش مبنيا للمجهول !!