jo24_banner
jo24_banner

زيف العقلية الثائرية

ضرغام الخيطان هلسا
جو 24 :

اليسار واليمين مصطلحان مكانيان اصلا وارتبط تطور فهمهما كمصطلحان لهما علاقة بالفكر والسياسة مع تطور الصراع بين القوى المتناقضة في مجرى مسار الثورة الفرنسية، وعندما احتكمت قوى الثورة بكافة اتجاهاتها للعبة صناديق الاقتراع لانجاز اصلاحات سياسية تستهدف دمج الجديد الناشيء المتنور بالبناء الفوقي لسلطة الحكم الملكي المطلق وحلفائه.

وبعد اجتماع الجمعية التأسيسية الاول جلس ممثلو الشعب من برجوازية ناشئه وممثلو الاشتراكية الفرنسية بكافة مدارسها، ومتنورين علمانيين، ممن تاثروا بافكار روسو ومنتسيكيو في فلسفة العقد الاجتماعي والفصل بين السلطات، على يسار قاعة الاجتماعات، بينما جلس ممثلو الملكية ورجال الدين (الاكليروس) والاقطاعيون والنبلاء والقادة العسكريون من فرسان ومشاة في الجانب الايمن، فاصطلحت الجماهير على تلك التسمية السياسية.

اليسار واليمين بعد سقوط الباستيل واندحار الملكية المطلقة لارتباط اليسار ليس فقط بمفهوم الاصلاح السياسي بل بمفهوم طبقي تقوده البرجوازية كقوة ثورية ناشئة آن ذاك، فكان ذلك الاصطفاف المكاني والذي أخذ بعدا اصطلاحيا في مدارس الفكر السياسي، تعبيرا عن رفض الحالة الظلامية من اجل بناء الجديد المتنور وبدء مسلسل التطورات على مجريات الصراع، فاكلت قوى اليسار بعضها وتربعت البرجوازية كطبقة ناشئة وقوية وتملك امكانيات اقتصادية هائلة على مستقبل الشعوب الاوروبية، وقامت بحل مشاكل شعوبها عبر سياسة الاستعمار واستغلال الشعوب الاخرى.

ولو اخذنا بالقياس وعلى ضوء ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي وانكشاف دور الامبريالية العالمية ورموزها من برنارد ليفي الى خطاب اوباما في جامعة القاهرة، ودور قطر وتركيا والسعودية وذراعها المتمثل بتنظيم جماعة الاخوان المسلمين الدولي، وما ترافق من سياسات تفكيكية اخترقت فصائل حركة التحرر العربية عبر اختراق رأس الطليعة التحررية، قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، كونها كانت وما زالت العنوان الرئيسي للنضال الوطني والقومي، كون القضية الفلسطينية هي مركز الصراع مع قوى التحالف الامبريالي والصهيوني والرجعي العربي، ان كان رسميا او شعبيا، فانتقل مصطلح اليسار لكي يتماهى بعض من يحملوا رايته او تأدلجوا في مدرسته، من اخطر مسوقي التدخل الامبريالي الرجعي، عبر شعارات زائفه تعلموها في مدرسة النيوليبرالية الجديدة، تحت شعارات حقوق الانسان وديمقراطية الحريات السياسية، وتأجيل البحث في الخيارات الاقتصادية للدولة وسيادتها، وخيار النضال القومي من اجل وحدة الامة العربية.

وامام كل هذا الزيف وتشويه الوعي، ورغم انجلاء حقائق الصراع في المنطقة بعد عامين من التطورات والتحولات، نجد ان البعض مازال يمارس سياسة النأي بالنفس، والبعض الآخر مازال يعيش وهم الثورة بمعناها الجديد الذي صنعه برنارد ليفي وحمد القطري واردوغان التركي. واذا عجزوا عن تحقيق اهدافهم فقوات الناتو موجودة ولايهم الاستعانة باسرائيل (كما قال جورج صبرا) كون شارون بالنسبة لهم أخف وطأة عليهم من النظام السوري، الذي وقف شوكة في حلوقهم وحلوق اسيادهم بقدرته الخلاقة على ادارة الصراع تحت كل الظروف.

لذلك لم يعد اليسار الجديد يحمل من نظرية اليسار الفعلي اية سمة من سماته، واهم تلك السمات تحديد معسكر الاصدقاء والاعداء والقدرة على تحليل التناقضات في كل منهما وتحديد معادلة الصراع الاساسية ومعرفة التناقض الرئيسي اوالثانوي وكيفية التعامل مع التكتيكي والاستراتيجي. وهل يصطف اليساري تكتيكيا مع عدوه الاستراتيجي وهو لايزال يمارس تكتيكاتة من اجل اضعافة واسقاطه عبر اقصائه تارة وتارة آخرى تبنيه وتجيير كفاحيته لمصالحه. أما آن لهؤلا ان يصحوا من سكرة الوطنية العمياء والعقلية الثائرية ولو كانت على حساب ومستقبل الامة ؟!

ايها السادة ان ما جرى في الوطن العربي وفي سوريا بالتحديد يتطلب منا اعادة القراءة والبدء في عملية فرز جديدة لتنقية صفوف حركة التحر العربية من الشوائب التي علقت بها، وما عليها الا ان تقوم بعملية التنظيف الذاتي لان الحمولة الزائدة يجب ان تسقط لكي نكمل مسيرة الالف ميل بنجاح.

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير