جيغارا.. وفتاة اللويبدة
ذات يوم وفي احد مقاهي اللويبدة، رأيت فتاة عشرينية متدرعة سترة قطنية مرسوم عليها صورة المناضل الاممي، الارجنتيني الاصل، الطبيب آرنستو تشي جيفارا، فاعتقدت للحظة ان الفتاة تحمل هموم الفقراء وايدلوجيا اليسار الذي يعبر عن مصالح تلك الفئات المهمشة والمنسية في برامج حكومات الخصخصة والتبعية الاقتصادية والسياسية.. فسالتها ماذا تعني لك هذه الصورة واين انت منها فكرا وممارسة ؟ فاجابت وبكل عفوية ما يعنيني بهذه الصورة شعبيتها على الصعيد الدولي ولا اعرف عن حياته وفكره وممارسته شيئا، فحاولت ان احدثها عن كوبا والتجربة الثورية الاشتراكية هناك شارحا لها عن المجرم باتيستا والمناضل الثوري فيدل كاستر محرر الشعب الكوبي من اغلال الراسما لية الاميركية .
طبعا هي لم تعرف من هو باتيستا ولكنها عرفت فيدل كاسترو فقالت ولكن فيدل مجرم ايضا فسالتها لماذا وكيف ؟ فقالت لماذا لانه ديكتاتوري وكيف فهو لايؤمن بحقوق الانسان، فقلت لها لقد انقذ الشعب الكوبي كل الشعب من الاستغلال البشع من التبعية للامبريالية الاميركية وانتج هوية وطنية تقدميه وثورية اصبحت مقياسا للتحرر في كل بلدان اميركا اللاتينية، وجيفارا هذا الذي تتدرعين رسمه على صدرك احد قادة هذه الثورة، فاجابت هذا لايعني لي شيء سوى انه جزء من الموضة الدارجة، فعرفت ان الفتاة الطيبة ضحية من ضحايا منظمات المجتمع المدني الممولة من السفارات الغربية والاميركية بالتحديد، فسالتها اذن ما هو مشروعك بالحياة، فقالت قل ما اسعى له هو ان اكون حرة ومتحررة من هذا التخلف الاجتماعي واحصل على حقوقي كاملة وغيرمنقوصة، ولم استكمل الحوار لئلا يبرد فنجان قهوتي، واستكملت احاديثها بسرد مجموعة من النكات الاجتماعية البائسة شكلا ومضمونا استدرارا لابتسامة غادرت شفتيّ بعد سماعي لمطالبها الانانية الضيقة.
ولم يطل الحوار وكانت احدى الفضائيات تبث مشهد جنازة الشهيد محمد الطيطي من الخليل فقلت لها انظري كما الصهاينة مجرمين وبدون ان تنظر للمشهد التلفزيوني اجابت مش ملاحظ انكم يا بتاعون السياسة بتبالغوا كثير وبتحاولوا تاكدو ان الاسرائليين مش انسانيين، والله انهم اكثر انسانية منكم انتم العرب، شوف مثلا النظام السوري تبعك عم بذبح فينا نحن الفلسطينيون في مخيم اليرموك.. فصمت والذي جعلني اروي هذه القصة المحزنة والمؤلمة هو الحزن الاكثر ايلاما عندما قرات مقالة النائب محمد الحجوج مفسرا تصريحاته امام رئيس الوزراء حول تفجير مؤسسة المتابعة والتفتيش، ومطالب المحاصصة في الحكومة، وبشروط محددة كنائب رئيس وزراء وعشرة وزراء (...) حيث بدأ رده بمقولة مشهورة قالها القائد والمناضل الاممي جيفارا بعدما تحررت كوبا وغادر موقع الوزارة لكي يستكمل نضاله الثوري لتحرير بقية دول اميركا اللاتينية من الاستعمار الاميركي، مبتدئا في بوليفيا، حيث قال: اكثر ما يحزنني ان اموت على يد من ادافع عن مصالحهم.
توقفت امام هذا الاستشهاد والاسقاط كثيرا واكملت النص ولم اجد فيه اية اشارة لفلسطين المغتصبة او العدو الصهيوني المحتل، ولم ار ولو مؤشرات او عناوين لمشروع مقاوم يرفض تصفية القضية الفلسطينية، ولم اقل تحريرها لان مهمة التحرير تحتاج لنا جميعا.. كل ما وجدته مشروعا كمشروع ابنتي تلك التي التقيتها في مقهى في اللويبدة لااكثر ولا اقل.