زفير غزّة
أسموها جمعة «الكاوشوك» ، وأنا أسميتها زفير الغزيين إن غضبوا ،هي زفرة واحدة ،جعلت الكوكب كله «يسعل» ويلتفت إلى ركبة البحر الجريحة، زفرة واحدة فتحت للنصر القريحة ، زفرة واحدة كان الحبر غزّة وكان القلم أريحا... في فلسطين يسقط ثوب الوهم عن الأشياء كلها ، يذوب ميزان القوى ، وتصبح أسطورة الجيش أضحوكة ، في فلسطين ،تغيب كل حسابات الجيوش وينبت الزند على الحدّ...
مرضى «الربو السياسي» هاجموا خطوة المقاومة ، تحجّجوا بالأوزون وبالمرضى وبتلويث السماء ،لكنّهم لم يسألوا أنفسهم من حاصر الأرض،وجوّع الشعب،وقتل الأطفال في المستشفيات؟..لماذا كلما دق «كوز» النصر بجرة «المقاومة» صرتم أكثر إنسانية وأكثر بيئية وأكثر حساسية من «دخان» النضال؟!.
إطارات بالية ، كان يركنها الفلسطيني في حوش بيته، في مزابل المدن الصناعية ،مشت ألاف الكيلومترات من الأحلام على الأرض، استدارت وتقدّمت ،صافحت إسفلت المقاطعة المعزولة ، حملت هواءً في جوفها ككل الغزيين لتحفظ توازناً في الحياة، لم تنفجر ولم تقبل التنفيس لتنتهي ، «إطارات الكاوشوك» هي أيضاً لها تاريخ نضالي ومبدأ لا يتغيّر..التفت هواة النضال إليها صدفة ،اكتشفوا أنها قد تصبح سلاحاً من لا شيء ، جمعوها من مختلف المشارب والفصائل ثم صنعوا «هولكوستاً» مطاطياً يذكّر كل مدّكر..فإذا حانت ساعة الصفر لن يحول بيننا وبينكم سياج أو شيك ، إن حانت ساعة الصفر سيواجه «الإطار» الدبابة ، و«المقلاعة» الطائرة، والسكين المدفع، والحذاء صفقة القرن..فنحن شعب لا نعرف الهزيمة أبداً..أصابعنا رصاص ،حناجرنا أجراس..نحن «نعجن» الحروب ونخبز التاريخ.!
في «جمعة الكاوشوك» عندما رأيت الإطارات تكوّم فوق بعضها بعضاً،لا أدري لما تخيّلتها « عُقُل» العرب بعد أن تم كنسها عن الرؤوس المطأطئة، تخيلتها حصيلة التخاذل والتآمر والتواطؤ والتقارب المعيب ،نفس الاستدارة ،والسواد،ورائحة الاحتراق..فالإطار هو «عِقال»الوقت الرديء..
بعد ما رأيته أول أمس ، لم تعد تريبني «الصفقات»ولا «الصفنات»،ما دام الشعب الفلسطيني حياً، ففلسطين بخير،والأقصى بخير ،و القدس بخير،وكل الأوطان العربية بخير، وليوقّعوا ما شاؤوا وعلى ما شاؤوا..فالممحاة هنا،ممحاة الجسد والدم!..هنا القرار الحقيقي..وما سواه بعض «دخان»..!
فلسطين لم تتنهّد بعد.