ثـرثـرة في الشارع ..!
هل تشعر بالتعب؟ سألني ودون ان يسمع مني اية اجابة اسهب في الحديث، قال: منذ ايام وأنا أراقب مجموعة من العمال في احدى الورشات، يبدأون عملهم في السابعة صباحا ويمكثون فيه حتى الخامسة مساء، خطر في بالي ان اسألهم فيما اذا كانوا يشعرون بالتعب والارهاق اثر هذا العمل الشاق الذي يستهلك اجسادهم، الغريب ان احدا منهم لم يلتفت الى سؤالي، لقد ظلوا مشغولين بما هم فيه، وحين الححت عليهم بالسؤال نظر اصغرهم سنا اليّ وقال: لم اشعر، بالتعب الا حين ذكرتني فيه.
هل تشعر بالتعب؟ سألني مرة اخرى، لم ينتظر كالعادة اية اجابة، وقال: عدت لبعض خبراء الصحة فذكروا لي ان التعب هو عرض من اعراض المرض، وبدلا من ان ننشغل بهذه الاعراض ونبحث لها عن معالجات، فالمهم ان نضع أيدينا على المرض، العمل ليس مرضا، غالبا ما يكون الفراغ هو المرض، اشعر - احيانا - بان المواطن في بلادنا متعب تماما، وحين أفتش عن المرض لا استطيع ان أعرفه، هل هو تعب سياسي؟. على فكرة السياسي اكثر الناس شعورا بالتعب، واعراضه عليه دائما واضحة، نقص في الطاقة، رغبة غير محدودة في النوم، صداع مستمر، ضعف في العضلات، تردد دائم، اكتئاب وتقلب في المزاج، مشاكل في الذاكرة، صعوبات في الانتباه وضعف في التركيز، دافعية ضعيفة.
تنهد صاحبنا ثم اضاف: هل تشعر - مثلي - بالتعب؟ امس حاولت ان اخرج الى الشارع، سألت كل من صادفني: الشباب العاطلين عن العمل، الرجال الذين ادمنوا الجلوس في المقاهي، النساء اللاتي ذهبن للتسوق، الاطفال الذين شردهم الجوع والفقر.. كان ردهم مخيبا لكل توقعاتي، لم استطع ان افهمه للوهلة الاولى، قالوا: نحن التعب.. هل يشعر التعب بنفسه؟. دخلت لأول عيادة صادفتني على قارعة الطريق، كانت اللافتة تشير الى ذلك، سألت الطبيب عما اذا كان يراجعه اشخاص يشعرون بالتعب؟ توجس الرجل من السؤال، لكنه ابتلع داخله زفرة لم يستطع ان يخرجها ، قال: لا.
عدت متعبا من المشوار هل كنت متعبا حقا؟ فاستسلمت للنوم، لكن اشباح التعب داهمتني، لم اكن أتصور ان للتعب قبائل وفصائل ورجالا بكامل عدتهم جاءوا لكي يحذرونني من مغبة النبش في موضوعهم.. سألتهم فيما اذا كان لهم رابطة او جمعية او... ، اكتشفت بان لهم سلطة كبيرة ونفوذ اكبر، وبلاد شاسعة يعبثون فيها كما يشاؤون.
هل تشعر انت بالتعب؟ شعرت بأن دوري في الاجابة قد جاء، وصار ضروريا ايضا، طلبت منه بالحاح ان يتوقف لأقول له شيئا، حاول ان يتملص من طلبي، وضعت اصابعي في آذاني لكي اشعره انني مضطر لايقاف ارساله، اقسم عليّ ان اتركه ليقول كلمة واحدة فقط، وافقته بامتعاض، قال: اكثر ما يتعبني هو الصمت، ولهذا فأنا دائم الكلام، حتى وانا نائم.
لم اجد لدي رغبة في الكلام، انتبه الرجل الى وجهي وكأنه استغرب صمتي بعد طول الحاح لكي أتكلم، سأل: هل تشعر بالتعب ؟ تركته دون ان انبض بكلمة..وحاولت ان اكتم صرخة عالية ترددت في اعماقي: صحيح لماذا اشعر بالتعب؟