jo24_banner
jo24_banner

نعتذر اليكم..!!

حسين الرواشدة
جو 24 :

اسمحوا لي - باسم جيل الآباء - ان اعتذر لأبنائنا، لكل الشباب الذين قسونا عليهم في انتقاداتنا، وافترضنا أن يكونوا نسخة عنا، واتهمناهم بالتفريط والتغريب وضقنا ذرعاً بطموحاتهم ومشاغباتهم، وأطلقنا عليهم - تندراً - : "أبناء الانترنت” أو جيل "الفيس بوك””جيل ستار اكاديمي”أو "يتامى عصر الحضارة”.
اسمحوا لي أن اعترف بأنهم "انتصروا” على منطقنا وبؤسنا وهزائمنا، وعلمونا كيف نكسر حواجز الخوف، وكيف نخرج عن صمتنا، وكيف نفتح بالحناجر ابواب الحرية، كيف نصنع "التغيير” وكيف نتحرر من عجزنا، منهم تعلمنا ذلك بدل ان يتعلموه منا، ومنهم تسلل الينا شعاع النور بعد ان طال انتظارهم لرؤية اقمارنا المزيفة.
لقد تصورنا - في لحظة يأس - بأن أبناءنا الشباب استقالوا من السياسة، وانضموا الى احزاب "اللعب والطرب”، وانجروا خلف ثقافة "الاستهلاك” وتحللوا من أخلاق مجتمعهم وتمردوا على تعاليم دينه وعاداته وتقاليده، وكاد بعضنا - للاسف - ان "ينعي” الامة لتدهور شبابها، هؤلاء الذين يشكلون ثلثي سكانها، فيما لم نقصر - نحن الآباء - في المقارنة بين جيلنا وجيلهم: جيلنا الذي يمثل النموذج في النظافة والشجاعة والتمسك بالقيم، وجيلهم الذي تغيرت فيه القيم والمواقف والاهتمامات، وكنا نصدر الاحكام والاتهامات دون ان ننتظر ردودهم، او ان نصغي لوجهات نظرهم، او ان ندقق في "الحقيقية”: هذه التي تؤكد بأن "انجازنا” كآباء كان مخجلاً، وبان "صورتنا” كجيل ليست أفضل من هذه الصورة التي نرسمها "لواقع” ابنائنا، بل ان صورتهم اليوم تبدو افضل من صورتنا بكثير.
من حق هذا الجيل من الشباب الذي لم نفهمه ولم نعرفه ولم ننصفه، ان نعتذر له اكثر من مرّة: مرّة لأننا اخطأنا بحقه، واثقلنا كاهله بما أورثناه من هزائم، ومرّة لأن افكارنا المغشوشة عنه دفعتنا الى اليأس منه، وعدم التواصل معه، وعدم الايمان بمواهبه، ومرّة ثالثة لاننا حمّلناه مسؤولية كل ما انتهينا اليه من تخلف وتراجع، وكل ما خرج من تربتنا من أحساك وأشواك "ومصائب”، ومرّة رابعة لان منطقه انتصر على منطقنا، ولان همته كانت اكبر من همتنا، ولان ما عجزنا عن فعله قد فعله فعلاً، لا مجرد أقوال.
هذه ليست دعوة اعتذار فقط لجيل قادم أسأنا فهمه وتقديره وليست دعوة "مصالحة” لردم ما بيننا وبينه من فجوات، وليست اعترافاً متأخراً بالخطأ الذي ارتكبناه كآباء مشفوعاً بطلب المسامحة من الأبناء. ولكنها - دعوة لافساح المجال امام هذا الجيل القادم لكي يتبوأ مقاعدنا ويتقدم صفوفنا ويبدد الغبار عن عيوننا.. ولكي يدلنا على طريق "الحكمة” ويرشدنا الى "سكة السلامة”.

"الدستور"

 
تابعو الأردن 24 على google news