ويسألونك عن التطرف يا كوشنر!
د. حسن البراري
جو 24 :
مقززة تلك الكلمات التي تلفظ بها جاريد كوشنر -زوج ايفانكا وصهر الرئيس ترامب- في يوم العار الذي تم فيه اختطاف قرار أكبر قوة عرفها التاريخ لصالح مشروع صهيوني استعماري واحلالي. فحديثه عن القدس إنما يعكس بنية ذهنية استعلائية وكولونيالية عفى عليها الزمن، فلا يمكن أن يصمد منطق القوة على قوة المنطق، فالقدس ليست لليهود وهي عربية وإسلامية وستبقى كذلك حتى لو وضع الأمريكان الكونغرس وليس فقط سفارتهم في القدس، فموازين القوى ستتغير إن لم يكن غدا فبعد عقد من الزمان أو حتى قرن وعندها فلن ينفع مبنى سفارة أمام قوة الحق الفلسطيني في القدس.
الأنكى أن الرئيس "العبقري" وصهره يضعان قرار الانحياز الكامل لليمين الإسرائيلي المتطرف في سياق البحث عن سلام، فإذا كان هذا هو البحث عن السلام فكيف يكون البحث عن الحرب؟! ومن سيشتري هذا الوهم؟ فالشخصية العربية التي ستقبل بهذا المنطق المتهافت لم تولد بعد، وحتى لو قامت أمريكا بدحر إيران فإن عربيا واحدا لا يمكن له تفهم هذا الموقف الأمريكي المنحاز، ولن يقبل عربي واحد أن يقوم بدور ابو رغال ويقدم القدس على طبق من فضة لهذه العصابة التي تحكم العالم.
أرى أن القرار الأمريكي وتفعليه بهذه السرعة إنما يعكس أيضا استخفافا بالشارع العربي، فالتقدير السائد في واشنطن هو أن العرب يقولون ولا يفعلون، وأن السماء لن تنطبق على الأرض في حال تم نقل السفارة، كما أن الأنظمة العربية هي من يحتاج الولايات المتحدة وليس العكس. لن أجادل، فهذه القراءة تعكس واقعنا المرير، غير أن المسألة لا تعني الخضوع لهذا الواقع أو القبول بخلق وقائع جديدة. ففي وقت يمتاز باستفاقة سياسية وشعبية وفي وقت تبلورت فيه صحوة سياسية كونية فإن المنطق الهمجي غير الأخلاقي لن يصمد طويلا.
فمثلا، ما الذي سيمنع الكثير من الشباب من الاتجاه إلى التطرف والعنف؟ ألم يقرأ السيد ترامب وصهره ما كتبه فرانس فانون في خمسينيات وستينيات القرن الماضي؟ أجزم أن الولايات المتحدة تقوم بذلك لتدفع شباب المنطقة نحو التطرف والعنف لتدمير المنطقة، ولا يوجد أفضل من وصفة الانحياز لإسرائيل لخلق شروط الفوضى في المنطقة، فمن خلال خبرتي في الجامعات الأمريكية ومراكز التنك تانك لا أعتقد أن هناك نقصا في فهم المنطقة وديناميات العنف والفوضى، وعليه فإن ما تقوم به أمريكا يأتي في سياق التخطيط وليس عدم الفهم.
كأردني، أشعر بأن هذا القرار يتهددنا جميعا، فنقل السفارة إلى القدس سيطلق العنان لقوى التطرف داخل المجتمع الإسرائيلي لاستغلال الفرصة وحسم ملف القدس لصالح اليهود، وهذا بدوره سيشكل ضغطا كبيرا ليس فقط على الفلسطينيين المرابطين وإنما أيضا على دولة بحجم الأردن شاءت الأقدار أن تكون المقدسات تحت وصايتها، والأردن بهذا المعنى سيخوض صراعا مع اليهود على هذه المقدسات وظهره مكشوف، فلا شقيق يتفهم احتياجاته ولا حليف يمكن له أن يسانده في هذا الصراع، لكنه صراع سنخوضه في الأردن ومن الأردن حتى النهاية ومهما غلى الثمن.
كتبت غير مرة بأن استخفاف أمريكا بنا مرتبط بالدرجة الأولى بحقيقة أننا لا نشكل تهديدا ذي مصداقية للمصالح الأمريكية، والعكس هو الصحيح إذ نجد العديد من الأنظمة العربية تتبارى فيما بنيها في كيفية تسهيل حماية مصالح أمريكا في المنطقة تحت ذريعة الشراكة والصداقة والتحالف. وبهذا المعنى، فشلنا كعرب في جعل أمريكا تعيد حساباتها، فلم تدفع أمريكا ثمن حماية سفنها للداي حسين حاكم الجزائر إلا لأن سفنها كانت تحتاج الحماية من تهديدات حقيقية وموضوعية. وفي الختام، أقول أن في السياسة معادلة واحدة تتمحور حول العلاقة بين الكلفة والعائد، فعندما تشعر أمريكا بأن كلفة قرارها أعلى بكثير من العائد عندها وعندها فقط ستعيد حساباتها، وبالتالي لا يمكن الاستناد إلى حسن نوايا أمريكا وهو نوايا سقطت في كل اختبار عندما يتعلق الأمر بإسرائيل.