الدين في سوق الدعايات ..!
ما هي وظيفة الدين: الهداية أم الدعاية..؟
الاجابة بالطبع معروفة، فالدين جاء اساسا لهداية الناس الى الله، لكن بعض الذين يشتغلون "بالدين” على سبيل الحرفة والتجارة او الشهرة والهواية ارادوا ان يجروا الدين الى ساحات اخرى لا علاقة له بها على الاطلاق، وآخرها ساحة الاعلانات التجارية.
لا اريد ان اعلق على موضوع استخدام الدين في الدعايات الرخيصة، لكنني اشير الى مسألتين، الاولى انه لا يوجد فاعل يتحرك في مشهدنا العام مثل "الدين”، لدرجة ان احدنا اصبح يخشى ان يتحول هذا الدين الى مشجب نعلق عليه كل شيء، ونستخدمه في كل شيء، ونتهمه احيانا، ونحتفي به احيانا اخرى دون ان نعرف متى ولماذا ؟
اما المسألة الثانية فهي انه من المفارقات المدهشة ان "سوق” الدين "في هذه المرحلة الصعبة التي انفجر فيها عالمنا وتاريخنا ازدحم، حد الفوضى، بالبائعين والمشترين، وبالتالي فان ما نراه امامنا ليس اكثر من عروض "دينية” تخضع لحركة السوق ومواسم التنزيلات والمزايدات والاحتكارات فيه.
لدى الكثيرين منا ما يكفي من امثلة لتأكيد حضور ظاهرة الداعية المغشوش او السياسي الانتهازي المتخفي باسم الدين، ورغم قلة هؤلاء بالمقارنة مع الاغلبية الصادقة والمخلصة، الا ان اثرهم في تنفير الناس من الدين اشد، وقدرتهم على الاساءة للفكرة والمشروع اقوى واسرع، لا لان الخصوم يستغلون ذلك ويوظفونه في تجاه التشكيك بالنوايا والممارسات وانما لأن الجمهور ايضا يندفع للرد على استغفالهم له، واستهانتهم بعقله وتدينه وثقته بهم، فيضطر بسبب تسرعه بالرد وانفعاله في التعبير عن الخيبة الى الوقوع في المحذور، كأن يخلط بين الدين وبين دعاته والمحسوبين عليه، فيحمّل الدين اخطاء هؤلاء.. او يهرب من المشروع بحثا عن مشروع اخر يتوسم في اصحابه الصدق والقدوة.
في القرآن الكريم وردت كلمة المقت وهي اشدّ انواع الكراهية لوصف حال الذين يقولون ما لا يفعلون، فالله تعالى لا يحب هؤلاء ولا يزكيهم، وهو يستنكر عليهم فعلتهم، أتأمرون الناس بالبرّ وتنسون انفسكم وانتم تتلون الكتاب افلا تعقلون، ومن المفارقات هنا ان الذين يمقتهم الله كما ورد في الآية الكريمة ثلاثة اصناف: اولها الكفر وثانيها الذين يقولون شيئا ويفعلون شيئا اخر وثالثها الذين يجادلون على غير حق.
قضيتنا الاساسية هي مع هؤلاء الشطار الذين يفسدون علينا في ديننا واخلاقنا، ويفتحون امام الآخرين نوافذ التشكيك في سلامة مشروعنا ويخدعون اجيالنا بالكلام الجميل ثم يدفعونهم حين تنكشف افعالهم الى الخيبة والاحباط والنكوص عن الصراط، ولا عذر لأحد منا في الصمت عليهم او البحث عن ذرائع لمسامحتهم او الوقوف على الحياد منهم.
ارجو ان لا يسألني القارىء الكريم عن بعض اسماء هؤلاء، فهو مثلي يعرفهم، ولا عن مناسبة هذا الكلام فهو ايضا - مثلي - يتردد كثيرا في التعرض للدعاة الذين يحملون مشروع الاسلام خشية ان يحسب على قائمة الخصوم المتربصين، لكن ذلك لا يمنعنا ابدا من القيام بواجب التنبيه والتحذير، فلا شيء اهم عندنا من الاسلام ولا احد منزه من النقد، ولا مخرج لنا من هذه المحنة سوى الاعتراف بها، وتحرير حقلنا الديني من الداخلين عليه وبعض الواقفين على ابواب بيادره لسرقة المحصول او ممارسة الغش في المكاييل والموازين.