حصانة وزير سابق تمنع محاكمته بالاختلاس والرشوة واستثمار الوظيفة!
جو 24 :
كتب خالد الخواجا - في الوقت الذي هبت فيه الجماهير الاردنية احتجاجا على قرارات رفع الأسعار وفرض مزيد من الضرائب وزيادة تعرفة الكهرباء مقابل غياب محاسبة الفاسدين، يقبع هذه الأيام ملف محاكمة أحد الوزراء السابقين ممن اعتلوا أعلى موقع في واحدة من أهم الوزارات الخدمية لدى أحد قضاة قصر العدل بعدما حوّله الادعاء العام في هيئة النزاهة ومكافحة إلى القضاء مشيرا إلى شبهات اساءة استخدام السلطة.
هذا الوزير كان يشغل إحدى كبرى الوزارات الخدمية والتي تبلغ ميزانيتها أكثر من مليار دينار، وتم التحقيق معه بالوثائق والادعاءات، ولم يحول للقضاء إلا بعد اثباتات ووثائق واعترافات وبينات صحيحة.
الكارثة الكبرى التي أذهلتني أن القاضي أوقف الملف لحين رفع الحصانة عن الوزير "بحكم القانون"، وهذه ستحتاج لسنين ومخاطبات، وصولا إلى مجلس النواب الذي يجب أن يصوّت على تحويل الوزير للقضاء بعد موافقة 50+ 1% من النواب وسط ما نشهده من وساطات تجعل اولئك الوزراء يفلتون من المحاكمة والأموال المنهوبة تبقى في جيوبهم الخاصة.
قانون محاكمة الوزراء لعام 1952، ينصّ وفق المادة الثانية على محاكمة الوزير الحالي أو السابق أمام المحاكم النظامية المختصة في العاصمة اذا ارتكبوا احدى الجرائم الناتجة عن تادية وظائفهم وفي ثلاث حالات وهي الخيانة العظمى واساءة استعمال السلطة والاخلال بواجب الوظيفة.
ويندرج تحت تهمة اساءة استعمال السلطة الافعال الآتية: جرائم الرشوة المنصوص عليها في قانون العقوبات، الاختلاس، استثمار الوظيفة المنصوص عليها في قانون العقوبات، جرائم اساءة استعمال السلطة، الاخلال بواجب الوظيفة المنصوص عليها في قانون العقوبات، مخالفة اي حكم من احكام الدستور المنصوص عليها في المواد 9 و 12و13 و15 و 111 من الدستور أو تعريض سلامة الدولة أو أمنها لخطر ناشئ عن اهمال أو خطأ جسيمين، أو الموافقة على صرف أموال غير داخلة بموازنة الدولة.
تحريك أي قضية ضد أي وزير متهم بهذه التهمة الخطيرة يحتاج إلى رفع الحصانة عنه، حيث يقوم القاضي بمخاطبة رئيس المحكمة ومن ثم رئيس المجلس القضائي ومن ثم وزير العدل ورئيس الوزراء ليحولها بالتالي إلى رئيس مجلس النواب، وفي حال كان المجلس منعقدا فانه يحتاج الى موافقة نصف عدد اعضاء المجلس زائد واحد.
"يا هملالي" كيف سترفع الحصانة وكيف ستجتاز كل هذه العوائق والمطالب وعقد جلسة نيابية خاصة وكيف سيتم تأمين النصف زائد واحد ونحن نعرف أن النواب سيكونون عثرة أمام هذا التوجه لانهم معنيون هم انفسهم بذلك.
المحاكمة تحتاج لمعجزة وسنوات لكي يسير القاضي فيها، ولعلّ أصعب المعضلات التي ستواجهنا هي مجلس نوابنا الذي سيقع في جدل وفتاوى الموافقة أو رفض المحاكمة ومن كان له مصلحة مع هذا الوزير انذاك.
كلنا نقف مع احترام وظيفة الوزير الذي يجب ان يكون قادرا على اتخاذ القرار وان يكون محصنا من اي تهم كيدية او انتقامية قد تؤدي به الى عدم قدرته على اتخاذ القرار الجريء لمصلحة المواطن والوطن، ولكن للاسف أخذنا نشاهد وزراء يعينون بحكم القرابة والنسب والواسطة، وما جرى خلال حكومة الملقي من تعديلات وزارية لست مرات يكشف ان اختيار الوزراء لا يخضع لأسس ودراسة وافية تحدد قدرة الشخص على قيادة وزارة معينة
جريمة الاختلاس والرشوة والاستثمار لوزير تستدعي محاكمة شعبية لا هوادة فيها، وتستدعي تعديل القانون لمحاكمته بشكل فوري، حيث ان وزيرا يرتكب مثل هذه الجرائم فانه يخرق كل القوانين ويتجاوز كلّ أسس العدالة والامانة في المؤسسة التي كان يرأسها.
ليس من السهولة أن يحول وزير سابق للمحاكمة إلا بعد الكشف عن هذه المخالفات بالوثائق والحقائق والوقائع الموثقة، والتحقيق معه في كل صغيرة وكبيرة، وحتى يتوصل الادعاء العام لاتهام هذا الوزير بهذه التهم الخطيرة.
الروتين التعجيزي لمحاكمة وزير وُشح من قبل مجلس الشعب ووشح قبوله بارادة ملكية سامية واقسم يمينا غليظا على أن يكون "مخلصاً للملك وأن يحافظ على الدستور وأن يخدم الأمة وأن يقوم بالواجبات الموكولة إليه ّ بأمانة" أمام ملايين المواطنين وامام العالم الذي يهتم بهذه البروتكولات التنصيبية يحتاج الى تعديل واجراءات اكثر بساطة واحكام صارمة. فهل احترم هذا الوزير الدستور والشعب والقانون والأمانة في العمل وفي القيام بالواجبات ام خان الامانة وسرق واختلس واستثمر وظيفته لمصالح خاصة لكي نخاف عليه من المحاسبة والمحاكمة؟!
منذ ثلاثين عاما والمواطنون صابرون على كل زيادة ضريبة أو مالية تمس دخولهم المحدودة، ولكنهم يرون فسادا ولا يرون عقابا كما قال جلالة الملك اثناء زيارته لمكافحة الفساد "إنني لا أرى قضايا فساد ومحاسبات".
للتاريخ، وللامانة، لم يحاكم أي وزير أردني إلا مرة عام 1992 حين تم توجيه تهمة إساءة استخدام السلطة وتبديد المال العام لوزير أشغال سابق، وقد نظر المجلس الاعلى لمحاكمة الوزراء -وهو مجلس النواب- في القضية وتم تبرئة الوزير، كما نظر مجلس النواب بقضية الكازينو التي اتهم فيها رئيس وزراء ووزير سياحة اسبق!
صحيح أنه لا يمكن مقارنة سرقة أفراد بسرقة وزير، لكننا هنا نذكر أن ثلاثة أحداث سرقوا 700 دينار من عامل في محطة وقود، وسارقو بنوك فشل معظمهم بتنفيذ سرقة حقيقية جرى تحويلهم الى محكمة أمن الدولة والحكم عليهم بالسجن 15 عاما، ونسأل؛ لماذا لا تقوم الحكومة او مكافحة الفساد او وزارة العدل بالكشف عن اسم الوزير وحيثيات الاتهام الموجه له حتى يطمئن المواطن بان القانون حق على الوزير قبل المواطن؟! إلى متى ستبقى هذه المحاكمات شكلية؟ والى متى سيبقى الوزير السارق والمختلس محصنا بالقانون؟ خاصة وأنه دمّر الخدمات الاولية التي تمنح للمواطنين عبر وزارته!
ومن أبسط الأمثلة على ذلك، وزارة التربية والتعليم ووزارة الصحة؛ حيث نشاهد مخرجات هاتين الوزارتين ومنها وزارة التربية التي اصبح التعليم كارثيا بعد رسوب 100 ألف طالب سنويا وأكثر من 400 مدرسة لم ينجح منها احد، ووصول طلبة للتوجيهي لا يكتبون ولا يقرأون، ونسب نجاح الذكور في التوجيهي لا تصل الى 13% مقابل ما تخصصه الحكومة من اموال تصل إلى مليار دينار سنويا!
بالمقابل، نرى أن الخدمات الطبية العسكرية تقدم خدمات أكثر بكثير من وزارة الصحة بينما لا تتجاوز ميزانيتها 100 مليون دينار، بينما وزارة الصحة التي يخصص لها أكثر 1.2 مليار دينار لا تجد سريرا لمريض فيها، وتعاني من نقص في الادوية والكوادر الطبية!
ما أردت الوصول إليه هو أنه عندما يستلم وزير كفؤ ونظيف ومؤتمن على المال العام ومهني وقادر على قيادة الوزارة فإن الخدمات ستتحسن وسيطمئن المواطن بان ما يدفعه من ضريبة هي في امان ويعود عليه بالخدمة الفضلى والجيدة، أما إن استلم الوزارة فاسد ومرتش يستثمر وظيفته للاختلاس والسرقة والرشوة فإن النتيجة ستكون طامة كبرى وفضيحة لكلّ أجهزة الرقابة الرسمية.
الشعب الاردني هو شعب طيب ويتقبل أي قرار، وفي حال حوكم أي مسؤول فاسد وأعاد الاموال المنهوبة وجرت محاسبته بشكل فوري وعادل، وأُدخل السجن فإن الشعب الاردني سيثق بحكومته، وسيقف أيضا بكل حزم إلى جانب حكومته التي سيصل لقناعة بانها حققت له العدل والمساواة..
فهل تحقق الحكومة العدالة والمساواة وتحاسب المسؤولين الفاسدين وناهبي أموال الشعب؟
لا يمكن أن يمر هذا الموضوع مرور الكرام ونحن نشاهد الشعب الاردني يغلي ليس لقانون الضرائب ورفع الاسعار، وانما لوجود فاسدين نهبوا المال العام دون ان يحاسب أي منهم.
معجزة أن يقبل الأردنيون بالضرائب وهم يشاهدون أن هناك تعيينات بوظائف حكومية تجري بالاستثناء ومن تحت الطاولة، وأن التهرب الضريبي أصبح ظاهرة وأن التعيينات أصبحت لأبناء المسؤولين والنواب واقربائهم، وان سلم الرواتب يختلف بفوارق هائلة بين مؤسسة واخرى خلافا لآلاف التجاوزات المالية في ميزانية الدولة.
المواطن اعتاد ان يسمع ان هناك مسؤولين فاسدين ومنهم من هرب خارج الوطن ومنهم من اصبح ملياردير ويملك بنوكا وهمية في جزر الباهاما، وثراءات لاشخاص امتهنوا العمل في العطاءات الحكومية التي حولتهم الى اثرياء واصحاب ملايين ومليارات من جيوب المواطن ليصبحوا نوابا باموالهم ومسؤولين كبار، فهل بقي امل لدى المواطن أن يرى مسؤولا مختلسا وسارقا ومستثمرا لوظيفته في السجن؟! سؤال برسم الاجابة ينتظره المواطن في ظل المعجزات لمحاكمة المسؤولين الفاسدين.