النواب يسيئون فهم الحصانة النيابية
د. ليث نصراوين
جو 24 :
لم تكن تمضي عدة جلسات من عمر مجلس النواب السابع عشر الذي يعقد أولى دوراته غير العادية حتى عاد "الأكشن" مرة أخرى إلى واجهة الأحداث وبقوة هذه المرة، حيث بدأ السادة النواب بممارسة هواياتهم المفضلة بالضرب والاعتداء على بعضهم بعضا، وإن كنا قد شهدنا هذه المرة تطورا ملحوظا في نوعية الأسلحة المستخدمة، حيث انتقلنا من القتال بالأحذية إلى التلويح باستخدام الأسلحة النارية ضد كل نائب تسول له نفسه إبداء أي نوع من المعارضة في مجلس النواب.
كما بدأت تغزو المجلس النيابي ظاهرة جديدة لم نألفها من قبل تتمثل في استعانة أحد السادة النواب بمرافق شخصي (بودي غارد) لحمايته أثناء وجوده في أروقة المجلس، حيث أظهر الأخير قدرات أمنية عالية من خلال اعتدائه بالضرب على نائب آخر أثناء جلسة مجلس النواب الأخيرة. وكعادتها فقد سارعت رئاسة المجلس إلى تشكيل جاهة نيابية لتطويق الخلاف الذي نشب وإصلاح ذات البين منعا لتفاقم المشكلة وتطورها.
ولكن يبقى السؤال الأهم الذي يثور مع كل حادثة ضرب أو اعتداء تقع في حلبة مجلس نواب حول ما إذا كانت مثل هذه التصرفات للسادة النواب تدخل ضمن مفهوم الحصانة البرلمانية التي قررها الدستور الأردني لأعضاء مجلس النواب وبالتالي فإن النائب المسؤول يعفى من أية مسؤولية جنائية عنها، أو على الأقل لا تتم ملاحقته عنها إلا بعد رفع الحصانة النيابية عنه.
إن المادة (86) من الدستور تنص على أنه لا يوقف أحد أعضاء مجلس النواب ولا يحاكم خلال مدة اجتماع المجلس ما لم يصدر من مجلس النواب قرار بالأكثرية المطلقة بوجود سبب كاف لتوقيفه أو محاكمته ما لم يقبض عليه في حال التلبس بجريمة جنائية.
لقد توسعت الاجتهادات الفقهية والقضائية في تفسير تلك المادة الدستورية فيما يتعلق بنطاق الحصانة النيابية الإجرائية لتشمل كافة الأفعال والجرائم التي يرتكبها النائب أثناء فترة اجتماع المجلس النيابي بغض النظر عن طبيعة تلك الأعمال وتعلقها بالعمل النيابي. كما شاءت الظروف مؤخرا أن يتسع تفسير تلك المادة الدستورية أكثر لتشمل عدم أمكانية محاكمة النائب أو توقيفه عن الجرائم التي ارتكبها قبل عضويته في مجلس النواب والتي بدأت النيابة العامة إجراءات المحاكمة فيها. فقد دافع بعضهم عن ضرورة توقف محاكمة النواب المتهمين بشراء الأصوات والذين ابتسم لهم الحظ وأصبحوا أعضاء في مجلس النواب، في حين أن باقي المتهمين الآخرين الذي لم يحالفهم الحظ في الفوز بالانتخابات ستستمر محاكمتهم لعدم تمتعهم بأي حصانة نيابية.
إن الهدف من تقرير الحصانة النيابية الإجرائية لأعضاء مجلس النواب يتمثل في عدم تعطيل النائب أو تأخيره عن جلسات مجلس النواب جراء أفعال يفترض أنه قد قام بها بصفته نائبا يسعى إلى حماية المصلحة العامة، حيث إن من شأن محاكمته عنها أمام المحاكم الجزائية أن ينشغل عن حضور جلسات مجلس النواب. إلا أن هذا الهدف النبيل للحصانة الإجرائية لا يمكن أن يتحقق ما لم يقتصر نطاق الفعل الجرمي الذي يرتكبه النائب على الإتيان بعمل أو الامتناع عن عمل ذات صلة بعمله النيابي، بحيث لا يتم التوسع في تفسيرها لتشمل أيــة أفعال أو جرائم أخــــــرى قد يرتكبها النائب لا علاقة لهــــا بعمله في مجلس النواب.
فالحصانة النيابية الإجرائية هي بحد ذاتها تعطيل لنصوص قانون العقوبات وأصول المحاكمات الجزائية فيما يتعلق بالأفعال التي تعتبر جرائم والتي ترتكب من قبل السادة النواب أثناء اجتماع المجلس. لذا فإنه يجب أن تعامل على أنها حصانة مؤقتة بمعنى أنها تطبق فقط خلال الفترة التي يكون فيها مجلس النواب منعقدا، ونسبية بمعنى أن تقتصر فقط على الأفعال والأعمال التي يرتكبها النائب وتدخل في صميم عمله النيابي المتمثل بالرقابة والتشريع.
من هنا فإن ما بدر عن أحد السادة النواب من تهديد زميله بسلاحه الناري لا يتعلق بأي حال من الأحوال بعمله النيابي وإن كان قد وقع أثناء جلسات المجلس، فغاية المشرع الدستوري من تقرير الحصانة النيابية الإجرائية لا يمكن أن نفسرها على أنها قد اتجهت للسماح لأحد النواب بأن يهدد زميله بالسلاح داخل مجلس النواب دون أن تتم محاسبته. والطريف بالموضوع أن النائب الذي هدد بشهر سلاحه في وجه زميله لن تتم محاسبته جزائيا عن ذلك إلا بعد أن يتم رفع الحصانة عنه، في حين أنه لو كان قد استعمل السلاح وارتكب جريمة جزائية لكان قد تم توقيفه بحجة أنه في حال تلبس بارتكاب الجريمة.
إن نواب البرلمانات الغربية لا يسمح لهم التمسك بالحصانة النيابية للتهرب من كافة أنواع المخالفات والجرائم التي يرتكبونها حتى في فترة انعقاد المجلس، ففي بريطانيا مثلا هزت أروقة البرلمان البريطاني عام 2009 فضيحة كبرى تمثلت في قيام النواب بالتلاعب بنظام العلاوات والبدلات النيابية وذلك من خلال تقديم فواتير وحسابات مزورة. وقد تمت ملاحقة أولئك النواب المتورطين جنائيا وصدر بحق بعضهم قرارات بالحبس أمثال جيم ديفاين وآند شايتور وديفيد شيتور ودون أن يقبل دفعهم بالحصانة النيابية لمنع محاكمتهم كون تلك الأفعال المرتكبة لا صلة لها بعملهم في مجلس العموم البريطاني. وعلى صعيد مجلس اللوردات، فقد صدر أيضا قرار قضائي بحبس اللورد أرشر على خلفية فضيحة العلاوات لمدة 18 شهرا ولم يقبل دفعه بالحصانة النيابية للسبب نفسه.
وبالعودة إلى رئاسة مجلس النواب الأردني فإنها وكعادتها لم تبادر إلى اتخاذ أي موقف حازم متشدد مما جرى تحت قبة البرلمان، حيث اكتفى رئيس مجلس النواب بالإنابة بحذف العبارات المسيئة التي وجهت لرئيس الوزراء والتي أشعلت فتيل النزاع. إلا أنه قد غفل عن فرض أي من العقوبات التي قررتها المادة (63) من النظام الداخلي لمجلس النواب كإخراج النائب المخالف من قاعة الاجتماع وحرمانه من الاشتراك في بقية أعمال الجلسة أو حرمانه من الاشتراك في أعمال المجلس مدة لا تزيد على شهر وذلك لكي يكون عبرة لباقي زملائه النواب.
كما يعتبر مجلس النواب بكامل أعضائه مسؤولا أيضا عما بدر عن أحد أعضائه من تصرفات مشينة حيث إنه قد عجز - حتى الآن - عن ممارسة الصلاحيات التي خوله إياها الدستور الأردني أو حتى التهديد باستخدامها والمتمثلة في فصل ذلك النائب المسلح من عضوية مجلس النواب بأكثرية ثلثي الأعضاء استنادا لأحكام المادة (90) من الدستور.
فرغم تكرار المناسبات التي كان يمكن بها للمجالس النيابية أن تقرر فصل أعضائها من مجلس النواب لسوء سلوكهم، إلا أن هذه الصلاحية لم تمارس بشكل الكامل سوى من قبل مجلس النواب الخامس وذلك في الفترة بين عامي 1956 حتى 1961.
(العرب اليوم)
لم تكن تمضي عدة جلسات من عمر مجلس النواب السابع عشر الذي يعقد أولى دوراته غير العادية حتى عاد "الأكشن" مرة أخرى إلى واجهة الأحداث وبقوة هذه المرة، حيث بدأ السادة النواب بممارسة هواياتهم المفضلة بالضرب والاعتداء على بعضهم بعضا، وإن كنا قد شهدنا هذه المرة تطورا ملحوظا في نوعية الأسلحة المستخدمة، حيث انتقلنا من القتال بالأحذية إلى التلويح باستخدام الأسلحة النارية ضد كل نائب تسول له نفسه إبداء أي نوع من المعارضة في مجلس النواب.
كما بدأت تغزو المجلس النيابي ظاهرة جديدة لم نألفها من قبل تتمثل في استعانة أحد السادة النواب بمرافق شخصي (بودي غارد) لحمايته أثناء وجوده في أروقة المجلس، حيث أظهر الأخير قدرات أمنية عالية من خلال اعتدائه بالضرب على نائب آخر أثناء جلسة مجلس النواب الأخيرة. وكعادتها فقد سارعت رئاسة المجلس إلى تشكيل جاهة نيابية لتطويق الخلاف الذي نشب وإصلاح ذات البين منعا لتفاقم المشكلة وتطورها.
ولكن يبقى السؤال الأهم الذي يثور مع كل حادثة ضرب أو اعتداء تقع في حلبة مجلس نواب حول ما إذا كانت مثل هذه التصرفات للسادة النواب تدخل ضمن مفهوم الحصانة البرلمانية التي قررها الدستور الأردني لأعضاء مجلس النواب وبالتالي فإن النائب المسؤول يعفى من أية مسؤولية جنائية عنها، أو على الأقل لا تتم ملاحقته عنها إلا بعد رفع الحصانة النيابية عنه.
إن المادة (86) من الدستور تنص على أنه لا يوقف أحد أعضاء مجلس النواب ولا يحاكم خلال مدة اجتماع المجلس ما لم يصدر من مجلس النواب قرار بالأكثرية المطلقة بوجود سبب كاف لتوقيفه أو محاكمته ما لم يقبض عليه في حال التلبس بجريمة جنائية.
لقد توسعت الاجتهادات الفقهية والقضائية في تفسير تلك المادة الدستورية فيما يتعلق بنطاق الحصانة النيابية الإجرائية لتشمل كافة الأفعال والجرائم التي يرتكبها النائب أثناء فترة اجتماع المجلس النيابي بغض النظر عن طبيعة تلك الأعمال وتعلقها بالعمل النيابي. كما شاءت الظروف مؤخرا أن يتسع تفسير تلك المادة الدستورية أكثر لتشمل عدم أمكانية محاكمة النائب أو توقيفه عن الجرائم التي ارتكبها قبل عضويته في مجلس النواب والتي بدأت النيابة العامة إجراءات المحاكمة فيها. فقد دافع بعضهم عن ضرورة توقف محاكمة النواب المتهمين بشراء الأصوات والذين ابتسم لهم الحظ وأصبحوا أعضاء في مجلس النواب، في حين أن باقي المتهمين الآخرين الذي لم يحالفهم الحظ في الفوز بالانتخابات ستستمر محاكمتهم لعدم تمتعهم بأي حصانة نيابية.
إن الهدف من تقرير الحصانة النيابية الإجرائية لأعضاء مجلس النواب يتمثل في عدم تعطيل النائب أو تأخيره عن جلسات مجلس النواب جراء أفعال يفترض أنه قد قام بها بصفته نائبا يسعى إلى حماية المصلحة العامة، حيث إن من شأن محاكمته عنها أمام المحاكم الجزائية أن ينشغل عن حضور جلسات مجلس النواب. إلا أن هذا الهدف النبيل للحصانة الإجرائية لا يمكن أن يتحقق ما لم يقتصر نطاق الفعل الجرمي الذي يرتكبه النائب على الإتيان بعمل أو الامتناع عن عمل ذات صلة بعمله النيابي، بحيث لا يتم التوسع في تفسيرها لتشمل أيــة أفعال أو جرائم أخــــــرى قد يرتكبها النائب لا علاقة لهــــا بعمله في مجلس النواب.
فالحصانة النيابية الإجرائية هي بحد ذاتها تعطيل لنصوص قانون العقوبات وأصول المحاكمات الجزائية فيما يتعلق بالأفعال التي تعتبر جرائم والتي ترتكب من قبل السادة النواب أثناء اجتماع المجلس. لذا فإنه يجب أن تعامل على أنها حصانة مؤقتة بمعنى أنها تطبق فقط خلال الفترة التي يكون فيها مجلس النواب منعقدا، ونسبية بمعنى أن تقتصر فقط على الأفعال والأعمال التي يرتكبها النائب وتدخل في صميم عمله النيابي المتمثل بالرقابة والتشريع.
من هنا فإن ما بدر عن أحد السادة النواب من تهديد زميله بسلاحه الناري لا يتعلق بأي حال من الأحوال بعمله النيابي وإن كان قد وقع أثناء جلسات المجلس، فغاية المشرع الدستوري من تقرير الحصانة النيابية الإجرائية لا يمكن أن نفسرها على أنها قد اتجهت للسماح لأحد النواب بأن يهدد زميله بالسلاح داخل مجلس النواب دون أن تتم محاسبته. والطريف بالموضوع أن النائب الذي هدد بشهر سلاحه في وجه زميله لن تتم محاسبته جزائيا عن ذلك إلا بعد أن يتم رفع الحصانة عنه، في حين أنه لو كان قد استعمل السلاح وارتكب جريمة جزائية لكان قد تم توقيفه بحجة أنه في حال تلبس بارتكاب الجريمة.
إن نواب البرلمانات الغربية لا يسمح لهم التمسك بالحصانة النيابية للتهرب من كافة أنواع المخالفات والجرائم التي يرتكبونها حتى في فترة انعقاد المجلس، ففي بريطانيا مثلا هزت أروقة البرلمان البريطاني عام 2009 فضيحة كبرى تمثلت في قيام النواب بالتلاعب بنظام العلاوات والبدلات النيابية وذلك من خلال تقديم فواتير وحسابات مزورة. وقد تمت ملاحقة أولئك النواب المتورطين جنائيا وصدر بحق بعضهم قرارات بالحبس أمثال جيم ديفاين وآند شايتور وديفيد شيتور ودون أن يقبل دفعهم بالحصانة النيابية لمنع محاكمتهم كون تلك الأفعال المرتكبة لا صلة لها بعملهم في مجلس العموم البريطاني. وعلى صعيد مجلس اللوردات، فقد صدر أيضا قرار قضائي بحبس اللورد أرشر على خلفية فضيحة العلاوات لمدة 18 شهرا ولم يقبل دفعه بالحصانة النيابية للسبب نفسه.
وبالعودة إلى رئاسة مجلس النواب الأردني فإنها وكعادتها لم تبادر إلى اتخاذ أي موقف حازم متشدد مما جرى تحت قبة البرلمان، حيث اكتفى رئيس مجلس النواب بالإنابة بحذف العبارات المسيئة التي وجهت لرئيس الوزراء والتي أشعلت فتيل النزاع. إلا أنه قد غفل عن فرض أي من العقوبات التي قررتها المادة (63) من النظام الداخلي لمجلس النواب كإخراج النائب المخالف من قاعة الاجتماع وحرمانه من الاشتراك في بقية أعمال الجلسة أو حرمانه من الاشتراك في أعمال المجلس مدة لا تزيد على شهر وذلك لكي يكون عبرة لباقي زملائه النواب.
كما يعتبر مجلس النواب بكامل أعضائه مسؤولا أيضا عما بدر عن أحد أعضائه من تصرفات مشينة حيث إنه قد عجز - حتى الآن - عن ممارسة الصلاحيات التي خوله إياها الدستور الأردني أو حتى التهديد باستخدامها والمتمثلة في فصل ذلك النائب المسلح من عضوية مجلس النواب بأكثرية ثلثي الأعضاء استنادا لأحكام المادة (90) من الدستور.
فرغم تكرار المناسبات التي كان يمكن بها للمجالس النيابية أن تقرر فصل أعضائها من مجلس النواب لسوء سلوكهم، إلا أن هذه الصلاحية لم تمارس بشكل الكامل سوى من قبل مجلس النواب الخامس وذلك في الفترة بين عامي 1956 حتى 1961.
(العرب اليوم)