المواطَنة مطلب أساسي للإصلاح السياسي
د. ليث نصراوين
جو 24 : إن أهم ما جاء في الورقة النقاشية الرابعة لجلالة الملك التي حملت عنوان "نحو تمكين ديمقراطي ومواطنة فاعلة" التركيز على مفهوم المواطنة وأهميتها في تحقيق الإصلاح السياسي المنشود. فقد جاءت مبادرة تمكين بهدف العمل على تفعيل فكرة المواطنة باعتبارها مطلبا أساسيا لتعزيز الديمقراطية الحقيقية بمعناها الدستوري الذي يقوم على أساس المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار. فالعلاقة بين المواطنة والديمقراطية واضحة وجلية تتمثل في أن المواطنة هي علاقة قانونية واجتماعية بين الفرد ودولته تقوم على منحه حقوقا في مواجهة الدولة وفرض واجبات عليه. فالوجه الأول للمواطنة يتمثل في ثبوت حقوق وحريات أساسية للفرد بأنواعها المختلفة السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية وذلك في مواجهة دولته، كالحق في الانتخاب والترشح وتولي المناصب العليا على أساس المؤهلات والكفاءة. أما الوجه الثاني للمواطنة فيكمن في ثبوت واجبات والتزامات على الفرد في مواجهة دولته تتمثل في ضرورة المحافظة على الأمن والسلم الاجتماعي والمشاركة في اتخاذ القرارات وتحمل المسؤولية المشتركة لتجاوز الأزمات التي تواجهها. فالمواطنة تقوم على أساس الشراكة الحقيقية بين الفرد ودولته في السراء والضراء، بحيث تلتزم الدولة بضمان العدل والمساواة وتمكين الأفراد من ممارسة حقوقهم وحرياتهم الأساسية، في المقابل يقع على الأفراد واجب تحمل مسؤولياتهم الوطنية تجاه دولتهم والحرص على أمنها واستقرارها.
أما العلاقة بين المواطنة والإصلاح السياسي فتكمن في أنه عندما يعي الفرد حقيقة الشراكة مع دولته ودوره في إدارة شؤونها الداخلية فإنه ينشط نحو الانخراط في الأحزاب السياسية بشكل يعزز من دورها على الصعيد السياسي وصولا إلى تحقيق الهدف الأسمى من الإصلاح المتمثل في تطبيق فكرة الحكومة النيابية. فالفرد هو جزء من نسيج الأمة وعنصر من العناصر المكونة لها، وبالتالي فإنه يقع على عاتقه واجب تشكيل السلطات في الدولة وذلك تطبيقا للنص الدستوري أن الأمة مصدر السلطات. وهذا الدور الأساسي للفرد لا يقتصر فقط على تشكيل السلطة التشريعية من خلال انتخاب مجلس النواب، بل يجب أن يمتد ليشمل السلطة التنفيذية من خلال تشكيل الحكومة النيابية على ضوء نتيجة الانتخابات التشريعية التي يفترض أن تكون حزبية بطبيعتها.
إن من أهم النتائج الإصلاحية للربيع العربي إعادة الإعتبار لمفهوم المواطنة ودورها في تحقيق الديمقراطية والحاكمية الرشيدة. فما أفرزته الثورات العربية من إصلاحات سياسية ودستورية قد ساهمت في تغيير مفهوم المواطنة والانتقال به من المفهوم التقليدي الذي يقوم على أساس المساواة بين المواطنين في الحقوق والحريات وعدم التمييز بينهم على أساس الدين أو العرق أو اللغة إلى المفهوم الحديث الذي يمتاز بأنه أوسع وأشمل. فمفهوم المواطنة الحديثة يقوم على أساس تقرير واجبات للفرد في مواجهة دولته أهمها ضمان أمنها وسلمها الداخليين في فترات الحكم الانتقالية، وهي الفترات التي عاشتها الشعوب العربية بين إعلان انتهاء العمل بدساتيرها الوطنية البالية الرثة التي فصلت لتناسب بعض الحكام العرب، واستكمال مرحلة صياغة دساتير وإعلانات دستورية جديدة.
وبالفعل فقد أعيد الاعتبار لمفهوم المواطنة على ضوء اندلاع أعمال الربيع العربي، حيث قامت العديد من الدول العربية التي ضربتها رياح التغيير على مستوى قياداتها وأنظمتها الحاكمة أو تلك التي استشعرت خطره بترسيخ مفهوم المواطنة الحديث في دساتيرها المكتوبة الجديدة باعتبارها ركيزة أساسية لثبات أنظمة الحكم وديمومتها. فها هو الدستور المصري الجديد لعام 2011 يؤكد صراحة مفهوم المواطنة في مادته الأولى التي تنص على أن "جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطي يقوم على أساس المواطنة والشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل على تحقيق وحدتها الشاملة"، وكذلك الحال في الدستور المغربي الجديد لعام 2011 الذي ينص في الفصل الأول منه على أن "نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية، ويقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلطات وتوازنها وتعاونها والمواطنة والتشاركية". أما الدستور السوري الجديد لعام 2012 فقد أفرد حكما خاصا بالمواطنة في الفقرة الثانية من المادة (33) التي تنص على أن "المواطنة مبدأ أساسي ينطوي على حقوق وواجبات يتمتع بها كل مواطن ويمارسها وفق القانون".
في الأردن، ورغم ارتباط فكرة المواطنة الفاعلة بالإصلاح السياسي، إلا أن الدستور الأردني قد جاء خاليا من النص صراحة عليها. وحتى التعديلات الدستورية الأخيرة لعام 2011 التي جاءت استجابة للربيع الأردني قد تغاضت عن تكريس فكرة المواطنة في الدستور المعدل، وهو الاتجاه ذاته الذي تبنته لجنة الحوار الوطني التي أغلفت أيضا إدراج مبدأ المواطنة في مخرجاتها وتوصياتها.
إن هذا الموقف المنكر لأهمية المواطنة في النظام السياسي والدستوري الأردني يتعارض مع الاتجاه العام في الإصلاح الذي يسود باقي الدول العربية، وهو ما يفرض على المشرع الدستوري أن يقوم بتفعيل مفهوم المواطنة في أي تعديل قادم على نصوص الدستور وذلك تجسيدا للرؤى الملكية التي تستشرف الإصلاح وترسم الطريق الأمثل له الذي كان آخره الدعوة إلى تكريس نهج المواطنة الفاعلة في الورقة النقاشية الرابعة. (العرب اليوم)
l.nasrawen@alarabalyawm.net
أما العلاقة بين المواطنة والإصلاح السياسي فتكمن في أنه عندما يعي الفرد حقيقة الشراكة مع دولته ودوره في إدارة شؤونها الداخلية فإنه ينشط نحو الانخراط في الأحزاب السياسية بشكل يعزز من دورها على الصعيد السياسي وصولا إلى تحقيق الهدف الأسمى من الإصلاح المتمثل في تطبيق فكرة الحكومة النيابية. فالفرد هو جزء من نسيج الأمة وعنصر من العناصر المكونة لها، وبالتالي فإنه يقع على عاتقه واجب تشكيل السلطات في الدولة وذلك تطبيقا للنص الدستوري أن الأمة مصدر السلطات. وهذا الدور الأساسي للفرد لا يقتصر فقط على تشكيل السلطة التشريعية من خلال انتخاب مجلس النواب، بل يجب أن يمتد ليشمل السلطة التنفيذية من خلال تشكيل الحكومة النيابية على ضوء نتيجة الانتخابات التشريعية التي يفترض أن تكون حزبية بطبيعتها.
إن من أهم النتائج الإصلاحية للربيع العربي إعادة الإعتبار لمفهوم المواطنة ودورها في تحقيق الديمقراطية والحاكمية الرشيدة. فما أفرزته الثورات العربية من إصلاحات سياسية ودستورية قد ساهمت في تغيير مفهوم المواطنة والانتقال به من المفهوم التقليدي الذي يقوم على أساس المساواة بين المواطنين في الحقوق والحريات وعدم التمييز بينهم على أساس الدين أو العرق أو اللغة إلى المفهوم الحديث الذي يمتاز بأنه أوسع وأشمل. فمفهوم المواطنة الحديثة يقوم على أساس تقرير واجبات للفرد في مواجهة دولته أهمها ضمان أمنها وسلمها الداخليين في فترات الحكم الانتقالية، وهي الفترات التي عاشتها الشعوب العربية بين إعلان انتهاء العمل بدساتيرها الوطنية البالية الرثة التي فصلت لتناسب بعض الحكام العرب، واستكمال مرحلة صياغة دساتير وإعلانات دستورية جديدة.
وبالفعل فقد أعيد الاعتبار لمفهوم المواطنة على ضوء اندلاع أعمال الربيع العربي، حيث قامت العديد من الدول العربية التي ضربتها رياح التغيير على مستوى قياداتها وأنظمتها الحاكمة أو تلك التي استشعرت خطره بترسيخ مفهوم المواطنة الحديث في دساتيرها المكتوبة الجديدة باعتبارها ركيزة أساسية لثبات أنظمة الحكم وديمومتها. فها هو الدستور المصري الجديد لعام 2011 يؤكد صراحة مفهوم المواطنة في مادته الأولى التي تنص على أن "جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطي يقوم على أساس المواطنة والشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل على تحقيق وحدتها الشاملة"، وكذلك الحال في الدستور المغربي الجديد لعام 2011 الذي ينص في الفصل الأول منه على أن "نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية، ويقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلطات وتوازنها وتعاونها والمواطنة والتشاركية". أما الدستور السوري الجديد لعام 2012 فقد أفرد حكما خاصا بالمواطنة في الفقرة الثانية من المادة (33) التي تنص على أن "المواطنة مبدأ أساسي ينطوي على حقوق وواجبات يتمتع بها كل مواطن ويمارسها وفق القانون".
في الأردن، ورغم ارتباط فكرة المواطنة الفاعلة بالإصلاح السياسي، إلا أن الدستور الأردني قد جاء خاليا من النص صراحة عليها. وحتى التعديلات الدستورية الأخيرة لعام 2011 التي جاءت استجابة للربيع الأردني قد تغاضت عن تكريس فكرة المواطنة في الدستور المعدل، وهو الاتجاه ذاته الذي تبنته لجنة الحوار الوطني التي أغلفت أيضا إدراج مبدأ المواطنة في مخرجاتها وتوصياتها.
إن هذا الموقف المنكر لأهمية المواطنة في النظام السياسي والدستوري الأردني يتعارض مع الاتجاه العام في الإصلاح الذي يسود باقي الدول العربية، وهو ما يفرض على المشرع الدستوري أن يقوم بتفعيل مفهوم المواطنة في أي تعديل قادم على نصوص الدستور وذلك تجسيدا للرؤى الملكية التي تستشرف الإصلاح وترسم الطريق الأمثل له الذي كان آخره الدعوة إلى تكريس نهج المواطنة الفاعلة في الورقة النقاشية الرابعة. (العرب اليوم)
l.nasrawen@alarabalyawm.net