ماذا بعد قرار محكمة الاستنئاف بطلان انتخابات فقوع ؟
لا تزال الأوساط القانونية والسياسية حائرة في التعاطي مع القرار التاريخي الذي أصدرته محكمة استئناف عمان ببطلان نتائج انتخابات الدائرة السادسة في محافظة الكرك وذلك بسبب التجاوزات التي شهدتها العملية الانتخابية في تلك الدائرة والتي أثرت سلبا على نتائجها النهائية. فقد أثبتت محكمة الاستئناف أن ما قام به المشرع الدستوري من إخراج الطعون الانتخابية من ولاية مجلس النواب إلى القضاء النظامي كان موفقا وله ما يبرره. كما أعطى هذا القرار مؤشرا عن حالة اللامشروعية الدستورية التي كانت سائدة في ظل المجالس النيابية السابقة فيما يتعلق بالطعون في عضوية النواب، فحتى في ظل المجالس النيابية التي تم الاعتراف رسميا بتزوير نتائج انتخاباتها كانت الطعون النيابية كافة التي تقدم من ذوي المصلحة ترد شكلا في الوقت الذي يمكن أن تكون النتيجة مغايرة لو أنها قد نظرت من قبل جهة قضائية مستقلة.
ويبقى التساؤل الأكبر حول الأثر الدستوري لقرار محكمة الاستئناف ببطلان الانتخابات على مجريات مجلس النواب في دورته غير العادية الحالية والاستحقاقات الدستورية الأخرى المترتبة على ذلك القرار. فعلى صعيد مجريات مجلس النواب الحالي، لن يكون للقرار القضائي أي أثر على دستورية القرارات والأعمال التي قام بها النائب الذي تقرر بطلان عضويته كأثر مباشر لإلغاء الانتخابات، وهذا ما أكدته الفقرة الرابعة من المادة (71) من الدستور التي تعتبر الأعمال التي قام بها العضو الذي أبطلت المحكمة نيابته قبل إبطالها صحيحة.
أما بخصوص الاستحقاقات الدســـــتورية المترتبة على القرار القضائي فإن هناك ضبابية تلف المشهد الدستوري حول ما إذا كان أثر البطلان يقتصر على عضوية النائب نايف الليمون المطعون بصحة عضويته أم أنه يمتد ليشمل النائبة حمدية الحمايدة التي فازت بمقعد الكوتا النسائية عن محافظة الكرك إضافة إلى مقاعد القوائم الوطنية التي تنافست في مراكز الاقتراع في المملكة كافة والتي من ضمنها تلك الصناديق التي تقرر إبطال نتائجها في الدائرة السادسة في محافظة الكرك.
لقد ذهب جانب من الاجتهاد القانوني إلى اعتبار أن الأثر الدستوري على إعلان بطلان نتائج الانتخابات في الدائرة السادسة في محافظة الكرك يقتصر فقط على شغور المقعد النيابي المحلي المخصص لتلك الدائرة والذي فاز به النائب نايف الليمون، وبالتالي فيفترض على الهيئة المستقلة للانتخاب أن تجري انتخابات تكميلية في تلك الدائرة الانتخابية خلال شهرين من تاريخ إشعار مجلس النواب الهيئة بشغور المقعد استنادا لأحكام المادة (88) من الدستور. أما بخصوص مقعد الكوتا النسائية ومقاعد القوائم الوطنية فإنها لن تتأثر بقرار بطلان نتائج الانتخابات الذي له حجية نسبية لا تتعدى أطراف الدعوى والممثلين فيها.
أما الفريق الثاني فيتجه إلى التوسع في تفسير الأثر الدستوري المترتب على قرار البطلان ليشمل الكوتا النسائية عن محافظة الكرك وتوزيع المقاعد الوطنية كافة وعددها (27) مقعدا ذلك على اعتبار أن بطلان نتائج الانتخاب في صناديق الدائرة السادسة له أثر واسع ممتد لا يقتصر فقط على النائب نايف الليمون، بل يجب أن يمتد ليشمل إلغاء فوز النائبة حمدية الحمايدة عن مقعد الكوتا، إضافة إلى إعادة توزيع المقاعد العامة للقوائم الوطنية كافة على ضوء الانتخابات التكميلية التي يجب إجراؤها في كل من الدائرة المحلية والقوائم العامة في الدائرة السادسة في محافظة الكرك.
وكاجتهاد شخصي متواضع، فإنني أرى أنه يجب التوفيق بين حجية قرار محكمة الاستئناف ببطلان الانتخابات من جهة و آلية تنفيذ ذلك القرار وترجمته على أرض الواقع من جهة أخرى، فمن السهولة بمكان أن نقرر أن قرار البطلان يمتد أثره ليشمل كلا من الدائرة المحلية والدائرة الوطنية والكوتا النسائية على اعتبار أن له حجية عامة وليست حجية نسبية قاصرة على من كان طرفا بالدعوى. إلا أن الأهم من ذلك هو كيفية ترجمة ذلك القرار القضائي وتطبيقه بشكل يحقق العدالة والمساواة بين الأفراد، وإلا انقلب الاجتهاد القضائي نقمة على مجريات الانتخابات في الوقت الذي يفترض به أن يكون وسيلة لإنصاف المظلوم وإعادة الحقوق لأصحابها.
ففيما يتعلق بالمقعد النيابي في الدائرة المحلية السادسة في محافظة الكرك، فإنه يمكن وبشكل مباشر تطبيق قرار محكمة الاستئناف من خلال إجراءات تكميلية لملء ذلك المقعد الشاغر وفق أحكام المادة (58) من قانون الانتخاب وذلك خلال ستين يوما من استلام الهيئة المستقلة الإشعار بشغور المقعد في مجلس النواب.
أما بالنسبة للكوتا النسائية، فقد نصت الفقرة الثالثة من المادة (58) من قانون الانتخاب على أن يملأ أي مقعد مخصص للنساء بالانتخاب الفرعي في الدائرة الانتخابية الخاصة بمن كانت تشغل ذلك المقعد وذلك خلال ستين يوما من تاريخ إشعار مجلس النواب الهيئة المستقلة للانتخاب بشغور المقعد على أن يقتصر الترشح لملئه على النساء اللواتي تتوافر فيهن شروط الترشح في تلك الدائرة. وبعد إعلان نتائج الانتخاب الفرعي تجتمع اللجنة الخاصة بمقاعد الكوتا النسائية والمشكلة بموجب أحكام المادة (50) من قانون الانتخاب لتقارن النسبة التي حصلت عليها المرشحة الفائزة في الانتخابات التكميلية مع باقي النسب التي حصلت عليها باقي المرشحات في الدوائر المحلية الأخرى في محافظة الكرك، وتعلن اسم الفائزة صاحبة أعلى نسبة في المحافظة.
إلا أن هناك محاذير جمة من إجراء انتخابات تكميلية للكوتا النسائية في الدائرة السادسة في محافظة الكرك تتمثل في أنها قد لا تحقق العدل والمساواة بين المرشحات على مستوى كل من الدائرة المحلية والمحافظة. فقد سبق وأن أعلنت الهيئة المستقلة للانتخاب عدد الأصوات والنسب التي حصلت عليها كل مرشحة في محافظة الكرك والتي أسفرت عن فوز النائبة حمدية الحمايدة بمقعد الكوتا. لذا فإن أي انتخابات تكميلية ستجرى قد يتم تسخيرها لصالح إحدى المرشحات على حساب الأخريات وذلك من خلال إما التصويت لمرشحة معينة بكثافة لتجاوز النسبة الأكبر في المحافظة، أو عدم التصويت لها كي يذهب مقعد الكوتا للمرشحة صاحبة النسبة الأعلى على مستوى المحافظة، خاصة وأن مقعد الكوتا لن يتقرر على ضوء الانتخابات التكميلية في الدائرة السادسة، بل يجب وأن تقارن نتائج المرشحة الفائزة في تلك الانتخابات مع باقي المرشحات في المحافظة ككل.
ويبقى التساؤل الأكبر حول مصير مقاعد الدائرة العامة ، بوجوب إعادة إجراء انتخابات الدائرة العامة في تلك الدائرة الانتخابية ام لا، فإنه يمكن القول أن إجراء انتخابات جديدة للقوائم الوطنية والبالغ عددها (61) قائمة في الدائرة السادسة في محافظة الكرك هو أمر يصعب تحقيقه من الناحية العملية، ذلك أن أغلبية القوائم الوطنية قد انهارت تماما بعد الانتخابات ولم يعد لها وجود. وحتى تلك التي أفرزت ثلاثة نواب فإنه يصعب عليها إعادة تجميع باقي مرشحيها مرة أخرى لخوض انتخابات تكميلية جديدة لأسباب مختلفة كسفر بعضهم أو مرضه أو عجزه، وهذا يعني أنه يجب السماح لمفوضي القوائم، إن كانوا ما زالوا موجودين، أن يستبدلوا مرشحين بآخرين لغايات خوض أي انتخابات تكميلية سيتقرر إجراؤها، أو أن يضطروا إلى خوض الانتخابات ناقصي العدد وهو ما سيخل بمبدأ المساواة بين القوائم الوطنية.
كما أن ما قامت به الهيئة المستقلة للانتخاب من إعلان عدد الأصوات والنسب التي حصلت عليها كل قائمة وطنية سيجعل من أي انتخابات تكميلية تجرى للقوائم الوطنية في الدائرة السادسة في محافظة الكرك أداة لخدمة قوائم معينة على حساب باقي القوائم. فالناخبون والقوائم الوطنية يعون عدد الأصوات التي ينبغي أن تحصل عليها كل قائمة لكي تحصد لها مقعدا جديدا في مجلس النواب، وهذا ما قد يجعل التصويت على القــــوائم الوطــــنية نوعا من التحايل على القانون ويؤثر بشكل سلبي على العدالة والمــــساواة بين القــــوائم.
إن هناك حاجة ملحة للتوافق على حل دستوري وقانوني لأزمة بطلان الانتخابات في الدائرة السادسة في محافظة الكرك على اعتبار أنها أول حادثة تشهدها البلاد وبالتالي فإنها ستعد سابقة دستورية سيتم التمسك بها وإعادة تطبيقها في حال ما تكرر السيناريو نفسه في المستقبل، حيث أثبتت محكمة الاستئناف أنها قادرة على أن تكون حصنا قضائيا منيعا في الرقابة على مجريات أية عملية انتخابية ستجرى في المسقبل وذلك للتثبت من نزاهتها وعدم مخالفتها لأحكام القانون.
(العرب اليوم)