«العقد» موجود أصلاً..
بعد نحو مئة سنة على تأسيس الدولة الاردنية تفاجئنا الحكومة الجديدة قي بيانها للحصول على الثقة بتعهد يقضي «بترسيخ عقد اجتماعي جديد». لو توافقنا على العنوان فان السؤال التالي هو: كيف يمكن للحومة ان تترجم ذلك؟ لم تصلنا اي اجابة مقنعة حتى الآن.
لماذا...؟ لدي ثلاث ملاحظات (اسباب ان شئت) الاولى ان فكرة العقد الاجتماعي التي مضى على اطلاقها من فرنسا نحو 250 عاما مهّدت لنشوء الدولة الوطنية، فهي سابقة على تأسيس الدولة او متزامنة معها، ولكنها ليست لاحقة الا في سياقات استثنائية تقررها الشعوب وفق آليات معروفة في علم السياسة، الملاحظة الثانية هي ان الدستور في الدولة هو العقد الاجتماعي الذي يحدد علاقة الحاكم بالمحكوم، او الدولة بمواطنيها من حيث الحقوق والواجبات، وبالتالي فان الحديث عن عقد اجتماعي خارج او فوق الدستور غير مشروع الا في حالات التوافق على مبادئ «فوق دستورية» قد تحتاجها الدول حين تتعرض لمأزق سياسي خانق، كما حصل في تونس مثلا بعد الربيع العربي، علما ان هذه الفكرة ما تزال مجال جدل بين فقهاء القانون.
أما الملاحظة الثانية فتتعلق «بالجدّة» التي وصف بها البيان الحكومي «العقد الاجتماعي»، وهذه لم ترد في كتاب التكليف السامي الذي اكتفى بالاشارة الى « رسم العلاقة بين المواطن ودولته في عقد اجتماعي واضح المعالم من حيث الحقوق والواجبات « في اشارة الى سياسات الحكومة وبرامجها ومقرراتها لا الى شيء آخر وهي امور متضمنة في الدستور اصلا على شكل نصوص عامة وعناوين، لان الحكومة اصلا لا تمتلك الا الاداة التنفذية لتطبيق ما الزمها به الدستور على صعيد اقامة موازين العدالة الاجتماعية بين الناس فيما يتعلق بما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات، ولا علاقة لها بالعقد الاجتماعي الذي حسم اصلا منذ تأسيس الامارة ثم الدولة على صورتين هما: البيعة بين الاردنيين والهاشميين واصدار الدستور ايضا.
كنت قلت هذه الملاحظة لنائب رئيس الوزراء، الدكتور رجائي المعشر الذي ترأس لجنة خطاب الثقة، ظنا مني ان مسألة العقد الاجتماعي حسمت مع بناء الدولة، وانها لا تحتاج الى اضافات جديدة الا في سياق توافق على اجراء ما يلزم من تعديلات دستورية اذا اقتضت الحاجة، كما ان استعادتها اليوم قد تتسبب بالتباسات لا فائدة منها، لكن وجهة نظر الدكتور المعشر انه استند الى كتاب التكليف السامي الذي اشار للعقد الاجتماعي على الرغم (هذه من عندي) ان كلمة جديد لم ترد فيه كصفة لهذا العقد وانما وردت في خطاب الثقة فقط.
باختصار، نحن بحاجة الى حكومة تلتزم بتطبيق الدستور والقوانين وتمتلك صلاحيات الولاية العامة على اساس احترام قيم الدولة ومصالحها العليا، حكومة تعيد الثقة بين المجتمع والدولة، وهي لا تحتاج لتحقيق ذلك الى اشهار عقد اجتماعي جديد، لانه موجود اصلا، الا اذا كان هناك امر آخر لا نعرفه، وعليه من حقنا ان نسأل الحكومة عن هذا العقد الاجتماعي الجديد الذي وعدت به،ونسأل ايضا: ما رأي فقهائنا القانونيين في ذلك..؟