ما يلزمنا في هذه اللحظة...
يبدو أن حكومة الدكتور الرزاز ستتجاوز عتبة الثقة من البرلمان بارتياح، لكن قبل ان تباشر اعمالها لا بد ان نذكرها بأن ثقة الناس اهم واغلى وربما اصعب ايضا.
صحيح انها اضاعت فرصة التشكيل لتطمين الناس على الإصلاح واستنهاض الهمة الوطنية من جديد، لكن لا يزال بيدها فرصة «التدليل» على جدية التغيير؛ وهذه لا يتحقق بتكرار الوعود والتصريحات والحوارات وانما بمقررات واجراءات استثنائية وأدلة تقطع الشك باليقين وتلهب «الشباب» لكي يصفق لها بدل ان يخرج لمطالبتها بالرحيل، كما فعل مع الحكومة التي سبقتها.
تخطئ الحكومة اذا تصورت ان اخراج الناس من صدمة «الحكومات الضريبية» وامتصاص غضبهم هو الهدف، او أن الامساك ببعض المفاتيح القريبة منهم سيتيح لها فرصة اقناعهم واستمالتهم، وتخطئ ايضا اذا ما اعتقدت ان الخروج من الازمة السياسية والاقتصادية ( وهما وجهان لمشكلة واحدة ) يمر عبر اجراءات قانونية او اعلامية تجميلية او ادارية منزوعة من سياقها السياسي، فقطار التغيير والاصلاح يسير على اقدام سياسية ويخضع لاعتبارات تفرضها اللحظة الراهنة التي نهض فيها الناس مجددا للمطالبة باستعادة دولتهم، من خلال تغيير النهج في المجال السياسي والعام وما يترتب على ذلك بالنسبة للناس من حقوق ومطالب مشروعة.
مهمة الحكومة الآن ان تكاشف الناس ببرنامج الاصلاح الذي تستطيع ان تنجزه فعلا، وان تبدأ على الفور بإزالة آثار الغبار الذي عكّر مزاج الشارع في السنوات الماضية وان تفتح لواقطها لاستقبال ذبذبات المجتمع في عمان وخارجها بعيدا عن الوسطاء، وان تفهم ما يصدر عنهم من رسائل : قضية الفهم هنا ضرورية ؛ لا من اجل تشخيص الازمة او استيعابها انما ايضا من اجل ابداع ما يلزمها من معالجات، واستثمارها في الاتجاه الصحيح لا في الاتجاهات او العناوين التي جربناها فيما مضى واكتشفنا أنها ليست اكثر من وصفة للعبث والثرثرة.
أن نشهد بعد اربعة اعوام عودة الناس للشارع؛ هذا يعني اننا ما زلنا في المربع الأول وان ما قدمته الحكومات السابقة من وصفات للعبور نحو اليقين السياسي والحل الديمقراطي الحقيقي، والخروج من الازمة الاقتصادية، لم يبدد قلق الناس وشعورهم بالإحباط، بل زاد الطين بلّة.
لا نريد ان يصل الناس الى اليأس؛ هذا خط احمر يجب ان تضعه الحكومة الجديدة على رأس أولوياتها ويجب ان نتكاتف جميعا لبناء ما يلزم من مصدات لتجاوز الوصول الى هذه اللحظة.
من حق البعض ان يتحفظ على تشكيلة الحكومة او على بعض التصريحات التي صدرت من هنا او هناك ومن حقهم ايضا ان يعبروا عن خيبتهم او قلقهم او مطالبهم، لكن لا يجوز ابدا ان نتعامل مع استحقاقات المرحلة بمنطق الاستهانة او بمنطق التجريب، هذا ينطبق على الحكومة وعلى القوى السياسية والمهنية، لان فشلنا في ادارة هذه المرحلة الاصعب في تاريخنا سيتجاوز الصراع على الاصلاح والتغيير وترتيب الداخل الى الصراع على مستقبل البلد وسيتجاوز الجدل على الحكومة والمؤسسات والمواقع الى الجدل على مصير ابنائنا.
باختصار، هذا الوقت ليس مناسبا البتة لتصفية الحسابات ولا لتقليب المواجع – وما اكثرها- وما يلزمنا هو صوت العقل والضمير والانحياز للاردن العزيز الذي يخوض اليوم معركة وجود وليس معركة حدود فقط.