"طبخة" تشكيل أول حكومة شبه برلمانية في العهد الرابع
رنا الصباغ
جو 24 : بعد طي صفحة الانتخابات النيابية، تسير وجبة الإصلاحات الثانية وفق وصفة التغيير "الآمن والمبرمج" بقيادة الملك، لفرز أول حكومة شبه برلمانية في العهد الرابع، تحظى بفرصة ذهبية لاستعادة الولاية العامة.
بعد جولة مشاورات القصر مع الكتل النيابية والنواب لحصر اسم رئيس الحكومة، يعكف د. عبدالله النسور على حشد أغلبية نيابية لنيل الثقة قبل الإعلان عن طاقم حكومته وبرنامجها لأربع سنوات مقبلة.
اليوم، يلتقي الرئيس القديم-الجديد مع كتل نيابية موالية ومعارضة، بينما يصطف خارج الحلبة السياسية خصوم وأنصار عملية الانتقال الديمقراطي عبر بوابة البرلمان.
أمامه وأمام الأردن تحديات جمّة، في ظل كتل نيابية غالبيتها أشبه بكثبان رملية متحركة. وهو يتحرك بدون مقومات أساسية تجسد مفهوم الحكومة البرلمانية، كما في الديمقراطيات العريقة، حيث حزب معارض قوي ببرامج واضحة قادر على لعب حكومة الظل، أو على نحو يحاكي تجربة المغرب، حيث كلّف الملك رئيس وزراء من رحم الإخوان المسلمين بتشكيل الحكومة، بعد أول انتخابات في مملكة عربية عقب اشتعال مسلسل الثورات الشعبية من تونس.
وبعد أيام، سيضع د. النسور المولود الحكومي الجديد، ثم يخوض ماراثون الحصول على ثقة النواب بمساعدة قوى ناشطة ومؤثرة من خارج البرلمان؛ إذ يتوقع أن يحصد 80 من 150 صوتا.
هذا الحراك على السطح -المدعوم بخطاب "رسمي تقدمي" استباقي، وماكينة إعلامية قوية وسط غياب معارضة سياسية حقيقية– يشي بأن الأردن يجتاز بجدارة عملية إصلاح مرسومة الحدود والأدوار؛ عملية إصلاح تتماشى مع مطالب "المعارضة البناءة"، وتعكس إعلان الملك عن رغبته في التنازل عن بعض صلاحياته الدستورية لضمان مستقبل أكثر استقرارا.
بالطبع، تحتاج هذه الوصفة إلى وقت لإثباتها. لكنها اليوم لا تتعدى دائرة "الانتصار التكتيكي" بشراء الوقت ومواجهة تحديات المرحلة بأقل الأضرار.
هذه الخلاصة مثار نقاش، طرفه الأول المؤيدون ممن شاركوا في الانتخابات، إما عن قناعة أو لحماية النظام السياسي من خطر "الإخوان" و/ أو المحافظة على نعمة الأمن والاستقرار بعيدا عن الفوضى التي رافقت التغيير في تونس ومصر وسورية. وبعضهم يرى أن الملك استجاب لأقصى الممكن في ظل ظروف مصيرية، وأن عملية التغيير تراكمية، تحتاج إلى وقت لبناء التوافق وتغيير المحفّزات.
في المقابل، يقف جمهور مشكّك قاطع الانتخابات، إما تضامنا مع الإخوان أو من باب الاستسلام واليأس من إمكانية إحداث تغيير حقيقي يمس آلية تشكيل الحكومات واتخاذ القرار، بعد سنوات من اللف والدوران وتزاوج السلطات الثلاث.
من منظور موضوعي، يمكن القول إن التغييرات التي وقعت منذ العام 2011، سحبت البساط من تحت أرجل عديدين. ومن بينها تعديل الدستور، وتأسيس هيئة مستقلة لمراقبة الانتخابات، وتجميل قانون الصوت. لكن هذه التغييرات تمس اللعبة السياسية في الشكل وليس المضمون.
رئيس الوزراء لم يعد يهبط علينا بالباراشوت، ويغادر بدون إبداء الأسباب. وقد أعيد تكليف د. النسور وفق الكتالوج السياسي الموجود، بعد اعتماده "خيارا مضمونا" حتى قبل الانتخابات الأخيرة.
من جهته، تجاوب الرئيس مع حدود اللعبة ضمن فن الممكن والمتاح. طوّع دهاءه السياسي كأي سياسي طموح يلعب بميكيافيلية مع التناقضات والتجاذبات ومتطلبات مراكز النفوذ المتعددة. وسيخرج من نفق إقحام نواب في مجلس الوزراء ويضمن ثقة معقولة، بعد أن ولّى زمن الثقة العمياء.
بدأ يتكتك أثناء مشاوراته مع الكتل النيابية والمستقلين.
تارة يقول إنه يحبّذ "توزير النواب"، ثم يردف إنه من "الأفضل البدء من الصفر والصعود تدريجيا إلى الوضع المرغوب"؛ أي إنه يفضّل تشكيلة خالية من النواب لحين ولادة أحزاب ببرامج بديلة تخوض الانتخابات المقبلة على أساس قانون انتخاب مختلف عن "الصوت الواحد"، الذي جدّد معارضته القديمة له قبل أن ينتقل إلى "الدوار الرابع" وينقلب على مواقفه، حين أجرى الانتخابات على أساس ما كان يرفضه.
ويدرك د. النسور أن عددا كبيرا من النواب -حال الشعب المتفرج- يعارضون توزير النواب. ويعرف أن هناك إجماعا داخل أركان الدولة على رفض هذا الخيار في هذه المرحلة الانتقالية.
يقول إنه يسعى إلى تشكيل حكومة "طاهرة وجديدة"، تساهم في كسب ثقة الشارع. لكنّه لا يمانع في الإبقاء على من يسمون "وزراء عابرين" للحكومات، نجحوا في اختراق عضوية النادي السياسي المغلق؛ من باب أن بقاءهم ضروري لإدامة التواصل مع الحكومات الغربية المؤثرة ومع المانحين في هذا الوقت العصيب، وقبيل زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى عمان.
يقول إنه لن يرفع تعرفة الكهرباء قبل العودة إلى القبّة. لكنه يعرف مفاتيح تشتيت الكتل -القائمة في الغالب على أفراد- من خلال اللعب على تناقضاتهم الشخصية والمواقفية.
أظهر أنه لا يخشى المواجهة، سواء مع من يفترض أنهم ممثلو الشعب أو مع الشعب المتفرج؛ فقرّر رفع أسعار المحروقات في أيامه الأخيرة ضد رغبة غالبية النواب. وأثبت أنه سياسي عنيد، مستعد للمواجهة لحماية مصلحة الوطن، ولمهمة شرح الأسباب الموجبة لرفع الأسعار. يعرف -حال غالبية الأردنيين- أن لا خيار أمام أي رئيس وزراء مهما كان أصله وفصله إلا المضي قدما برفع الأسعار، في غياب موارد مالية إضافية تنقذ مديونية شركة الكهرباء.
لا خيار أمامه سوى تطبيق وصفة حكومة
د. فايز الطراونة مع صندوق النقد الدولي، لنيل قرض ميسر يحصّن الاقتصاد، ويشحذ همم المستثمرين، على أمل توفير فرص لجيش الباحثين عن العمل.
يبدو رئيس الحكومة مستعدا للتحاور مع المعارضة الإسلامية وقوى الحراك المجتمعي المؤثرة، في حال وجد في ذلك خدمة لتوجهات الدولة الرسمية، بما فيها مصلحة حكومته. وفي عين الوقت، لا مانع من مهاجمتها إن رفعت "الدوز" مرة أخرى، أو قرّرت استئناف حراك الشارع، بعد انتهاء فترة الترقب وفي حال تغيرت المعطيات.
هو مستعد للتبرع بمواقفه والدفاع عنها عبر سياسة "ضربة على الحافر وضربة على المسمار"، إلى حين انتهاء مفعوله السياسي.
بالطبع، لا تعجب هذه المواصفات البراغماتية العديد من الأردنيين، من ساسة وحزبيين.
على أن النسور -وفق مقربين ومؤازرين له- ظل سياسيا شجاعا، قادرا على التساوق مع النواب ورغبات أصحاب القرار، حتى لو خالف ذلك قناعاته الشخصية والبرامجية. وبذلك يتحول إلى صاحب موقف يعكس روحا ديمقراطية، تؤهله للتمسك برأيه حيال شؤون سياسية واقتصادية، كان عارضها بشدّة خلال السنوات الماضية التي وضعته ضمن خانة المعارضة من داخل طبقة "أبناء السيستم".
يعرف أن أمامه مسؤولية كبيرة، وعليه السير على حبل مشدود في رحلة استعادة الولاية العامة والتعامل مع القصر وسائر الأجهزة.
يؤمن، بحسب مقربين، بأنه "سيد المرحلة" الانتقالية، وأنه سيدخل التاريخ كأول رئيس وزراء جاء من رحم البرلمان واستطاع اللعب على التناقضات. تدفعه في ذلك رغبة شخصية جامحة صوب "أكل العنب بدل ضرب الناطور". وهذا من حقه ومن حق أي سياسي طموح أقصي عن الواجهة خلال العقدين الماضيين لأسباب غير موضوعية، بينما لديه الكثير ليقدمه لوطنه.
سينال النسور ثقة برلمانية بعد الاستماع لماراثون خطابات رنانة لن تخلو من التجريح والتشكيك. فالنيابي الجديد لا يختلف كثيرا عن أسلافه، باستثناء نواب إصلاحيين معدودين.
يضع رجليه على الأرض. ولا بد أنه مستعد للتعامل مع تيار يعاديه بشراسة على خلفية مواقفه أثناء محاولة نواب 1989 محاكمة رموز الفساد، أو لمواقفه الشخصية في الانتخابات الأخيرة حيال بعض المرشحين. وأيضا لأنه رفع الأسعار.
يدرك أن قضايا الفساد التي حوّلت للمحاكم انتقائية، وما تزال هناك مطالبات شعبية بضرورة تقديم الوجبة الثانية والثالثة، والتضحية بـ"الرؤوس الكبيرة". وهو لن يتوانى كلما حانت الفرصة لذلك. لكنّه يدرك، حال الغالبية، صعوبة تسمية رموز الفساد المطلوبة وإدانتها، من أجل استعادة الثقة في نوايا محاكمة الفساد والمفسدين.
نعم، سيشكّل النسور حكومته، لكنه سيدرك في اليوم التالي أنه زُج في قلب معركة كسب قلوب وعقول الأغلبية بدون أدوات تنفيذية جديدة، أو قدرة على إجراء مراجعة جوهرية لنهج السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، وإدماج نصف المجتمع المعطل (شبابا ونساء) في الحياة الاقتصادية والسياسية؛ فتلك معركة أكبر من الجميع.
هل يغدو النسور بطل مكافحة الفاسدين وتحسين مستوى معيشة الناس، من خلال قوانين تقدمية -مالكين ومستأجرين، وضريبة تصاعدية، وضمان اجتماعي- بعد أن بات بطل رفع الأسعار؟
rana.sabbagh@alghad.jo
(الغد)
بعد جولة مشاورات القصر مع الكتل النيابية والنواب لحصر اسم رئيس الحكومة، يعكف د. عبدالله النسور على حشد أغلبية نيابية لنيل الثقة قبل الإعلان عن طاقم حكومته وبرنامجها لأربع سنوات مقبلة.
اليوم، يلتقي الرئيس القديم-الجديد مع كتل نيابية موالية ومعارضة، بينما يصطف خارج الحلبة السياسية خصوم وأنصار عملية الانتقال الديمقراطي عبر بوابة البرلمان.
أمامه وأمام الأردن تحديات جمّة، في ظل كتل نيابية غالبيتها أشبه بكثبان رملية متحركة. وهو يتحرك بدون مقومات أساسية تجسد مفهوم الحكومة البرلمانية، كما في الديمقراطيات العريقة، حيث حزب معارض قوي ببرامج واضحة قادر على لعب حكومة الظل، أو على نحو يحاكي تجربة المغرب، حيث كلّف الملك رئيس وزراء من رحم الإخوان المسلمين بتشكيل الحكومة، بعد أول انتخابات في مملكة عربية عقب اشتعال مسلسل الثورات الشعبية من تونس.
وبعد أيام، سيضع د. النسور المولود الحكومي الجديد، ثم يخوض ماراثون الحصول على ثقة النواب بمساعدة قوى ناشطة ومؤثرة من خارج البرلمان؛ إذ يتوقع أن يحصد 80 من 150 صوتا.
هذا الحراك على السطح -المدعوم بخطاب "رسمي تقدمي" استباقي، وماكينة إعلامية قوية وسط غياب معارضة سياسية حقيقية– يشي بأن الأردن يجتاز بجدارة عملية إصلاح مرسومة الحدود والأدوار؛ عملية إصلاح تتماشى مع مطالب "المعارضة البناءة"، وتعكس إعلان الملك عن رغبته في التنازل عن بعض صلاحياته الدستورية لضمان مستقبل أكثر استقرارا.
بالطبع، تحتاج هذه الوصفة إلى وقت لإثباتها. لكنها اليوم لا تتعدى دائرة "الانتصار التكتيكي" بشراء الوقت ومواجهة تحديات المرحلة بأقل الأضرار.
هذه الخلاصة مثار نقاش، طرفه الأول المؤيدون ممن شاركوا في الانتخابات، إما عن قناعة أو لحماية النظام السياسي من خطر "الإخوان" و/ أو المحافظة على نعمة الأمن والاستقرار بعيدا عن الفوضى التي رافقت التغيير في تونس ومصر وسورية. وبعضهم يرى أن الملك استجاب لأقصى الممكن في ظل ظروف مصيرية، وأن عملية التغيير تراكمية، تحتاج إلى وقت لبناء التوافق وتغيير المحفّزات.
في المقابل، يقف جمهور مشكّك قاطع الانتخابات، إما تضامنا مع الإخوان أو من باب الاستسلام واليأس من إمكانية إحداث تغيير حقيقي يمس آلية تشكيل الحكومات واتخاذ القرار، بعد سنوات من اللف والدوران وتزاوج السلطات الثلاث.
من منظور موضوعي، يمكن القول إن التغييرات التي وقعت منذ العام 2011، سحبت البساط من تحت أرجل عديدين. ومن بينها تعديل الدستور، وتأسيس هيئة مستقلة لمراقبة الانتخابات، وتجميل قانون الصوت. لكن هذه التغييرات تمس اللعبة السياسية في الشكل وليس المضمون.
رئيس الوزراء لم يعد يهبط علينا بالباراشوت، ويغادر بدون إبداء الأسباب. وقد أعيد تكليف د. النسور وفق الكتالوج السياسي الموجود، بعد اعتماده "خيارا مضمونا" حتى قبل الانتخابات الأخيرة.
من جهته، تجاوب الرئيس مع حدود اللعبة ضمن فن الممكن والمتاح. طوّع دهاءه السياسي كأي سياسي طموح يلعب بميكيافيلية مع التناقضات والتجاذبات ومتطلبات مراكز النفوذ المتعددة. وسيخرج من نفق إقحام نواب في مجلس الوزراء ويضمن ثقة معقولة، بعد أن ولّى زمن الثقة العمياء.
بدأ يتكتك أثناء مشاوراته مع الكتل النيابية والمستقلين.
تارة يقول إنه يحبّذ "توزير النواب"، ثم يردف إنه من "الأفضل البدء من الصفر والصعود تدريجيا إلى الوضع المرغوب"؛ أي إنه يفضّل تشكيلة خالية من النواب لحين ولادة أحزاب ببرامج بديلة تخوض الانتخابات المقبلة على أساس قانون انتخاب مختلف عن "الصوت الواحد"، الذي جدّد معارضته القديمة له قبل أن ينتقل إلى "الدوار الرابع" وينقلب على مواقفه، حين أجرى الانتخابات على أساس ما كان يرفضه.
ويدرك د. النسور أن عددا كبيرا من النواب -حال الشعب المتفرج- يعارضون توزير النواب. ويعرف أن هناك إجماعا داخل أركان الدولة على رفض هذا الخيار في هذه المرحلة الانتقالية.
يقول إنه يسعى إلى تشكيل حكومة "طاهرة وجديدة"، تساهم في كسب ثقة الشارع. لكنّه لا يمانع في الإبقاء على من يسمون "وزراء عابرين" للحكومات، نجحوا في اختراق عضوية النادي السياسي المغلق؛ من باب أن بقاءهم ضروري لإدامة التواصل مع الحكومات الغربية المؤثرة ومع المانحين في هذا الوقت العصيب، وقبيل زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى عمان.
يقول إنه لن يرفع تعرفة الكهرباء قبل العودة إلى القبّة. لكنه يعرف مفاتيح تشتيت الكتل -القائمة في الغالب على أفراد- من خلال اللعب على تناقضاتهم الشخصية والمواقفية.
أظهر أنه لا يخشى المواجهة، سواء مع من يفترض أنهم ممثلو الشعب أو مع الشعب المتفرج؛ فقرّر رفع أسعار المحروقات في أيامه الأخيرة ضد رغبة غالبية النواب. وأثبت أنه سياسي عنيد، مستعد للمواجهة لحماية مصلحة الوطن، ولمهمة شرح الأسباب الموجبة لرفع الأسعار. يعرف -حال غالبية الأردنيين- أن لا خيار أمام أي رئيس وزراء مهما كان أصله وفصله إلا المضي قدما برفع الأسعار، في غياب موارد مالية إضافية تنقذ مديونية شركة الكهرباء.
لا خيار أمامه سوى تطبيق وصفة حكومة
د. فايز الطراونة مع صندوق النقد الدولي، لنيل قرض ميسر يحصّن الاقتصاد، ويشحذ همم المستثمرين، على أمل توفير فرص لجيش الباحثين عن العمل.
يبدو رئيس الحكومة مستعدا للتحاور مع المعارضة الإسلامية وقوى الحراك المجتمعي المؤثرة، في حال وجد في ذلك خدمة لتوجهات الدولة الرسمية، بما فيها مصلحة حكومته. وفي عين الوقت، لا مانع من مهاجمتها إن رفعت "الدوز" مرة أخرى، أو قرّرت استئناف حراك الشارع، بعد انتهاء فترة الترقب وفي حال تغيرت المعطيات.
هو مستعد للتبرع بمواقفه والدفاع عنها عبر سياسة "ضربة على الحافر وضربة على المسمار"، إلى حين انتهاء مفعوله السياسي.
بالطبع، لا تعجب هذه المواصفات البراغماتية العديد من الأردنيين، من ساسة وحزبيين.
على أن النسور -وفق مقربين ومؤازرين له- ظل سياسيا شجاعا، قادرا على التساوق مع النواب ورغبات أصحاب القرار، حتى لو خالف ذلك قناعاته الشخصية والبرامجية. وبذلك يتحول إلى صاحب موقف يعكس روحا ديمقراطية، تؤهله للتمسك برأيه حيال شؤون سياسية واقتصادية، كان عارضها بشدّة خلال السنوات الماضية التي وضعته ضمن خانة المعارضة من داخل طبقة "أبناء السيستم".
يعرف أن أمامه مسؤولية كبيرة، وعليه السير على حبل مشدود في رحلة استعادة الولاية العامة والتعامل مع القصر وسائر الأجهزة.
يؤمن، بحسب مقربين، بأنه "سيد المرحلة" الانتقالية، وأنه سيدخل التاريخ كأول رئيس وزراء جاء من رحم البرلمان واستطاع اللعب على التناقضات. تدفعه في ذلك رغبة شخصية جامحة صوب "أكل العنب بدل ضرب الناطور". وهذا من حقه ومن حق أي سياسي طموح أقصي عن الواجهة خلال العقدين الماضيين لأسباب غير موضوعية، بينما لديه الكثير ليقدمه لوطنه.
سينال النسور ثقة برلمانية بعد الاستماع لماراثون خطابات رنانة لن تخلو من التجريح والتشكيك. فالنيابي الجديد لا يختلف كثيرا عن أسلافه، باستثناء نواب إصلاحيين معدودين.
يضع رجليه على الأرض. ولا بد أنه مستعد للتعامل مع تيار يعاديه بشراسة على خلفية مواقفه أثناء محاولة نواب 1989 محاكمة رموز الفساد، أو لمواقفه الشخصية في الانتخابات الأخيرة حيال بعض المرشحين. وأيضا لأنه رفع الأسعار.
يدرك أن قضايا الفساد التي حوّلت للمحاكم انتقائية، وما تزال هناك مطالبات شعبية بضرورة تقديم الوجبة الثانية والثالثة، والتضحية بـ"الرؤوس الكبيرة". وهو لن يتوانى كلما حانت الفرصة لذلك. لكنّه يدرك، حال الغالبية، صعوبة تسمية رموز الفساد المطلوبة وإدانتها، من أجل استعادة الثقة في نوايا محاكمة الفساد والمفسدين.
نعم، سيشكّل النسور حكومته، لكنه سيدرك في اليوم التالي أنه زُج في قلب معركة كسب قلوب وعقول الأغلبية بدون أدوات تنفيذية جديدة، أو قدرة على إجراء مراجعة جوهرية لنهج السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، وإدماج نصف المجتمع المعطل (شبابا ونساء) في الحياة الاقتصادية والسياسية؛ فتلك معركة أكبر من الجميع.
هل يغدو النسور بطل مكافحة الفاسدين وتحسين مستوى معيشة الناس، من خلال قوانين تقدمية -مالكين ومستأجرين، وضريبة تصاعدية، وضمان اجتماعي- بعد أن بات بطل رفع الأسعار؟
rana.sabbagh@alghad.jo
(الغد)