الصباغ تكتب: انتخابات الصحفيين و"باراشوت الألو"
ينتخب أعضاء نقابة الصحفيين، يوم 25 نيسان (أبريل) الحالي، نقيبا ومجلس نقابة، في زمن تراجع فيه مسار الإصلاح السياسي والحريات الإعلامية وحق التعبير، في الأردن وغالبية دول "الربيع العربي".
الأجواء الانتخابية أخذت تسخن تدريجيا، ومعها تراشق بالاتهامات وممارسات "التخزيق" الإلكتروني على مواقع التواصل الاجتماعي بين مترشحين، حتى قبل فتح باب الترشح غدا الخميس.
في الأثناء، يتلقى أعضاء في الهيئة العامة -من بينهم كاتبة المقال- عشرات الاتصالات يوميا من زملاء لم يسمعوا منهم لسنوات، أو لا يعرفونهم شخصيا، بهدف نيل الدعم لدخول نادي عضوية المجلس؛ "بدنا همتك معنا"، أو "بدنا دعمك، لأنك صحفي إله مكانة وتزكيتك إلنا عند الصحفيين أوامر".
غالبية من يخوضون المعركة يتكئون على ثقل مؤسساتهم، و/ أو نسيج علاقاتهم الشخصية، و/ أو معايير فئوية، إضافة إلى "باراشوت الألو"؛ بعيدا عن طرح برامج تفعّل دور النقابة، وتصقل خبرات منتسبيها، وتحمي الحريات الإعلامية من تغول الحكومة ومن متطفلين على المهنة ينتهكون خصوصيات الناس ويُمعنون في ممارسة التشهير من دون محاسبة، في خرق لأخلاقيات هذه المهنة المقدسة.
غالبيتهم لا يحملون في جعبتهم أي خطط عمل واضحة حيال قضايا محورية، مثل انحسار حرية التعبير، ومشروع قانون مكافحة الإرهاب ذي اللغة المطاطية الذي قد يحيل أي مواطن -بمن في ذلك إعلاميون يغردون خارج السرب الرسمي- إلى مشروع إرهابي. كما لا يحملون خططا لكشف مسؤولين يحجبون المعلومات عن الإعلامي والمواطن، ولصد جهات رسمية تتدخل في خط تحرير مؤسسات إعلامية، وحتى توزيع كعكة الإعلانات.
لذلك أسباب متعددة.
فقانون النقابة لا يسمح بخوض المعركة ضمن قوائم ذات برامج تنافسية، بعكس غالبية النقابات المهنية. ما يدفع المترشحين إلى التركيز على الشق الخدماتي؛ مثل توزيع قطع أراض، ومكاسب "صندوق التكافل"، ومنح المقاعد الجامعية لأبناء الأوائل، والمشاركة في بعثات الحج. فهذا همّ غالبية الناخبين في هذا الزمن الاقتصادي الصعب. لذلك، ستبقى النقابة مشلولة، طالما أفرزت الانتخابات مجلسا مناكفا للنقيب أو العكس.
هناك عدم اكتراث ببرامج عمل مهنية، تستهدف تنقية أجواء الحريات العامة، أو تغيير قانوني المطبوعات والنشر وحق الحصول على المعلومات. والعديد ينظرون إلى تعزيز حق حرية التعبير -الذي من دونه لا حقوق أخرى تنتزع- على أنه ترف.
أضف إلى ذلك عدم تجانس تركيبة الهيئة العامة. فهناك الرعيل الأول ذو الغالبية المحافظة والمؤيدة -في الأغلب- لسياسة الإبقاء على الوضع القائم، لحماية مكتسبات أفراده. وهناك أصوات في الجيل الثاني تؤمن بضرورة تنطح النقابة لحماية الحريّات العامة والإعلامية. بعض هؤلاء يطالبون بتوسيع العضوية لتشمل جميع فئات العاملين في قطاع الإعلام.
وهناك عناصر في الجيل الثالث تعادي الرعيل الأول ونصف الجيل الثاني، وبعض مفاتيحه تصارع لحماية مصلحة الفرد الشخصية، وليس مبدأ الحريات والمنظومة المؤسساتية.
هذا الجسم المتنافر هو مربط فرس المترشحين. وقد تحول مع الوقت، وبفعل عوامل الإحباط السياسي وسوء الوضع الاقتصادي وعجز النقابة عن حماية الحريات، إلى هيئة غير متفاعلة، اختارت تهميش ذاتها. همّها، في الغالب، المغانم الشخصية في نقابة تجلس على موجودات قدرها 5.5 مليون دينار، وليس تحسين البيئة التشريعية والسياسية والمهنية، بما يعيد لها الألق.
أربعة زملاء على الأقل ينوون الترشح لمنصب النقيب: النقيب الحالي طارق المومني، ابن "الرأي" المخضرم، الذي ينافس على هذا الموقع للمرة الثالثة في 10 سنوات. وهناك راكان السعايدة، العضو المستقيل من مجلس النقابة الحالي، والمحرر في قسم المحليات في ذات الصحيفة. في موازاتهما، يتنافس أيضا زميلان متقاعدان؛ نبيل الغزاوي، (من "الدستور")، ومحمد الخطايبة (مدير سابق لمكتب صحيفة "الاتحاد" في عمّان ووكالة الأنباء "بترا").
هذه هي إذن خيارات هيئة عامة تحول غالبية أعضائها إلى موظفين يفضلون الاصطفاف مع أصحاب القرار أو رئيس التحرير، بدلا من الجلوس في مقعد الرقيب على السلطة وحامي المجتمع.
النقيب الحالي المومني لم يكشف عن برنامجه الانتخابي بعد. لكنه يراهن على تجربته السابقة، ورصيده داخل "الرأي" التي توظّف أكثر من 1100 موظف، كما على الخدمات التي قدمها للهيئة العامة خلال السنوات الثلاث الماضية.
أما السعايدة، فقد أطلق برنامجه الطموح في بيان بعنوان "خطة عمل لنقابة مستقلة قوية فاعلة في المعيشة، فاعلة في الحريات"، طالب فيه بوقف هدر أموال النقابة، والاستثمار في قطع أراض تمتلكها، وبيعها للأعضاء بثمن مناسب. ويطالب السعايدة بأن يكون للنقابة موقفها السياسي الواضح حيال القضايا الوطنية "القائم على التأييد إن كان التأييد حقا ومستحقا، والمعارضة عندما تكون حقا ومستحقا". بيد أن العديد من زملائه يرفضون إقحام النقابة في سجالات السياسة العامة، التي لا علاقة لها بحرية التعبير والإعلام.
الغزاوي استغل مناظرة مع السعايدة قبل أيام ليكشف عما سماها "مخالفات مالية لمجلس النقابة"، مجملها "صرف مياومات سفر من دون وجه حق". وجادل الغزاوي بأنه لو كان نقيبا، لنصح جميع الصحفيين بمقاطعة مجلس النواب، على خلفية الاعتداء الذي تعرض له زميل مصور في المجلس. ويثار سؤال له ولسائر المترشحين، ممن يوجهون تهما مماثلة لمجلس النقابة الحالي: لماذا لا تلجأون إلى المحاكم باسم الحق العام؟
أما الخطايبة، فيقول لكاتبة المقال إن خطابه الانتخابي يتمحور حول "مأسسة" النقابة -صحفيا ومهنيا- بعد أن أضحت حجرا بلا بشر". ويؤكد أنه سيضغط على الحكومة لإعفاء مدخلات الصحافة من الضرائب، ويشكّل لجانا "فاعلة"؛ خصوصا للاستثمار والحريات، ويشبّكها مع هيئات دولية ناظمة للحريات. كما سيدفع أيضا باتجاه تعديل قوانين الإعلام، حتى تصبح منسجمة مع اتفاقيات جنيف بحلول العام 2017، تماشيا مع التزامات الأردن.
في الأثناء، خرج بيان بعنوان "هبّوا لإنقاذ نقابتكم"، بتوقيع أربعة زملاء، يجمعون تواقيع أعضاء آخرين في الهيئة العامة. كما قرّرت جمعية الصحافة الإلكترونية التحول إلى نقابة، معلنة فقدانها الأمل في المجلس الحالي.
بعيدا عن المواقف عشية الانتخابات، فإن اللوم الأكبر يقع على الهيئة العامة المستسلمة؛ فهي المسؤولة عن مخرجات العملية الانتخابية، وهي القادرة على محاسبة المجالس الحالية والقادمة، بموضوعية وتوثيق.
لماذا لا نغيّر قواعد العملية الانتخابية هذه المرة؟ لماذا لا تصر الهيئة العامة على عقد مناظرة، بإدارة شخصية محايدة، بين المترشحين لمنصب النقيب؟ بعدها، يُحاسب النقيب المنتخب إن لم يف بوعوده بعد عام من الآن، من خلال الدعوة لاجتماع هيئة عامة غير عادي. مناظرة تسمح لكل مترشح بالإجابة عن أسئلة محددة، وبزمن متساو. يليها فتح المجال لاستفسارات الحضور. ثم يُنتخب المرشح الأكثر إقناعا وتماسكا ومنطقية، وليس الأكثر شتما وتهجما على الآخرين.
وفق هذا السيناريو الافتراضي، يجيب كل مترشح عن:
- كيف ستحمي صحفيا يتعرض للضرب أثناء تغطية مظاهرة، أو في مجلس النواب؟ أو آخر أوقف أشهرا أمام محكمة أمن الدولة، من دون إسناد تهم إليه؟
- هل ستسعى إلى تغيير قانون حق الحصول على المعلومات، وكيف؟
- كيف ستفعّل عمل لجنة التأديب داخل النقابة، بحيث تضبط المسيئين للمهنة، بدلا من "الطبطبة" عليهم، أو محاولة حل المشكلة بفنجان قهوة؟
- كيف ستوقف تدخل موظفي الدولة وأجهزتها لفرض رقابة مسبقة على وسائل الإعلام، أو التدخل في استقلاليتها؟
- كيف ستعمل على محاسبة أي مسؤول يقدّم معونة أو هبة مالية أو عينية لأي صحفي عامل؛ وكذلك ممارسة الضغوط في سوق الإعلان، لتدمير أو تربيح وسائط إعلامية دون غيرها؟
- كيف ستحيل النقابة إلى مركز تدريب على أسس الصحافة المحترفة متعددة الوسائط، والقائمة على الحقائق والرأي والرأي الآخر؟
- كيف ستتعامل مع صحفيين يتمردون داخل مؤسساتهم، أو يطردون لأسباب متعددة، منها رفضهم قرارات رئيس التحرير، أو التغيب عن العمل، أو تقاضي رواتب من خمس مؤسسات إعلامية في الوقت ذاته؟
- كيف ستدعم أي صحفي يقرر مقاضاة مسؤول يسيء إليه أو يعتدي عليه؟
- كيف ستدعم أي صحفي يقاضي مؤسسة ما، لأنها ترفض إعطاءه معلومات متاحة بحسب قانون حق الحصول على المعلومات؟
- هل أنت مع تشكيل شعب للصحافة الإلكترونية وللإعلام المقروء والمسموع والمرئي تحت مظلة النقابة؟
- هل أنت مع مبدأ إلغاء إلزامية العضوية، انسجاما مع المادة 20 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؟
- هل تؤيد استمرار تملّك الحكومة لأسهم في "الرأي" و"الدستور" عبر مؤسسة الضمان الاجتماعي؟
- رؤيتك حيال تأسيس مرصد/ مجلس لشكاوى المتضررين من صحفيين غير مهنيين، يتخذون الابتزاز والتشهير أو التكسب منهاجا لعملهم؟
- كيف ستعمل على مساعدة الصحف اليومية الموشكة على الإفلاس، في إعادة الهيكلة، ضمن أسس شفافة، بدلا من استمرار الضغط على رئيس التحرير كلما قرر التخلص من الحمولة الزائدة؟
في حال فشل هذا الاقتراح، وأصرّت الهيئة العامة على الانتخاب وفق الأسس البالية، فالأمل أن يحتكموا إلى ضمائرهم، ويصوتوا مع المرشح الذي سيحقق الحد الأدنى من المطالب النقابية والخدمية، ويعمل على مكافحة تكميم الأفواه. وفي أسوأ الحالات، يمكنهم إسقاط ورقة بيضاء في صندوق الاقتراع إذا لم يقنعهم أي من المترشحين!
(الغد)