jo24_banner
jo24_banner

مسيرات جائعي المناطق المهمشة في الأردن... الي أين؟؟؟

رنا الصباغ
جو 24 :
 الزميل المبدع أحمد أبو خليل – الصحفي والمؤلف وخبير أنثروبولوجيا الذي يتابع منذ عقود التغييرات العميقة في بنية المجتمع، وتحديدا ساكني الأطراف المهمشة وما تسمّى بجيوب الفقر المتنامية- رصد مشاهد مؤلمة لاعتصام 150 شابا معطّل عن العمل أمام الديوان الملكي العامر؛ الذي قصدوه على الأرجل من معان والبادية الجنوبية. شباب قضّى معظمهم ليلتهم الأولى في ساحة عشبية مقابل مدخل قصر رغدان (أهم مباني الديوان) وتناولوا وجبات خفيفة جمعت لهم من متعاطفين. بدأ الشباب مسيرتهم ظهر الجمعة من معان ووصلوا ظهر أمس الى الديوان بعد أن باتوا في ثلاثة مساجد على الطريق. وهم لا يزالون معتصمين حتى الآن، في سابقة خطيرة قد تتدحرج ككرة ثلج إذا لم تتحرك مؤسسات الدولة لإيجاد خيارات. الفوج الذي جاء قبلهم منذ أيام من العقبة عاد بعد أن وعدهم رئيس الديوان الملكي بفرص عمل.
ينبّه أحمد على صفحته الفيسبوكية اليوم: "هذه المرة الأولى التي أرى فيها مثل هذا الغضب وهذا القدر من الألم في وجوه فقراء البلد". لكنّها أكثر مرة يلحظ فيها "هذا القدر من الشجاعة إلى جانب الأدب والاحترام وعفّة النفس". في المقابل هذه أكثر مرة يشعر "فيها بالخجل من الفقراء، وأكثر مرة يشعر أن لدينا حكم بلا إحساس. الحكومة لا تتصرف كما تتطلب ظروف مواجهة أزمة، وتمارس سلطتها من خلف شاشة موبايل.. "حقك تعرف" و"بخدمتكم. بالنتيجة مشهد عام معيب ومخيف". انتهى الاقتباس.
صحيح أن عددهم حوالى 150. لكنهم كتلة قد تكبر. لهؤلاء الشباب أهل وأقرباء وربما أطفال وزوجات يعيشون في ضيق شديد مع تعطل أدوات الدولة في الوصول اليهم وتفعيل تنمية مناسبة لمناطقهم بدلا من الاكتفاء ببناء مشاريع عملاقة لا توفر فرص تشغيلية حقيقية لمن يفتقرون للمهارات. الأسواء هو التناقض بين مشهد شباب يائسين ومسؤولين لا يخجلون من افتتاح مشاريع جديدة خلال احتفاليات مدهشة تعكس مظاهر بطر وكأننا دولة نفطية متخمة لا تعيش واحدة من أكبر أزماتها الاقتصادية في عقود!
في الأثناء يتساءل عديدون دوافع شباب للسير في هذا البرد القارس إلى الديوان الملكي وليس إلى مقر رئاسة الحكومة، المفترض أن تكون صاحبة الولاية العامة؟ أين الحكومة من الذي يحدث وكيف سيحل مشروع النهضة الذي أطلقته هكذا مشاكل بنيوية؟ وكيف ستدير أجهزة الدولة الرسمية هذه المعضلة في غمرة أزمة اقتصادية خانقة كشفت فشل السياسات التنموية في العقود الماضية، دون أن يفتح باب إسماع الصوت لكل معطّل عن العمل في المحافظات التي لم تصلها التنمية لأن القنوات الأخرى باتت عقيمة. من خلال رصد سريع لمعاناة هؤلاء الشباب، يستطيع أي سائل قياس كم المحاولات غير المثمرة والأبواب التي طرقوها خلال السنوات الماضية بحثا عن وظائف توفر لهم الحد الأدنى من الحياة الإنسانية. خاض معظمهم تجارب مريرة للحصول على وظائف في مناطقهم الخالية من أي تنمية حقيقية بعد أن هجر أصحاب المواشي مرابعهم عقب رفع الدعم عن الأعلاف، بدعوى منع تهريبه لدول الجوار. في السياق تضعضع مربو الأغنام وماتت الزراعة كمهنة ولم يعد لدى الجد والوالد القدرة على "الستر" على فلذات أكبادهم.
تلقى الشباب عشرات الوعود من نوابهم والمسؤولين في مناطقهم لكن دون جدوى. بعضهم حاملو شهادات جامعية وآخرون تركوا المدارس بعد أن فقدوا الأمل في قدرة النظام التعليمي على تأهيلهم لمهارات السوق. البعض خضع لدورات تدريب مهني أطلقتها الحكومة ومنظمات المجتمع المدني لتطوير مهاراتهم بما يتناسب مع احتياجات السوق. ولم يحصل شيء لأن مناطقهم خالية من فرص عمل.
حتى اليوم لم يستوعب أي مسؤول حكومي حجم معاناتهم. في الأثناء، يخرج بعض موظفي الديوان من نفس مناطق الشباب ليتحدث إليهم ويفاوضهم بهدف التهدئة. بعض نوابهم وكبارهم جاءوا للتحدث إليهم، لكنهم أبلغوهم أن لا حيلة في أيديهم أكثر من الوعود الفارغة التي أسبغوها عليهم في السابق. يريدون الحل من الديوان، ملاذهم الأخير..
وسائل الإعلام الرسمية والخاصة شبه غائبة عن مشهد الانتظار أمام بوابة الديوان. شباب فقدوا الثقة بعشائرهم وبحكومة بلدهم وبمجلس النواب. مشهد معقد وملتبس. الديوان تحول الى ملجأ لكل أردني له مشكلة في حياته. في السابق كان الديوان وموظفوه (عددهم قليل جدا بالمقارنة مع اليوم) يردّون على البرقيات التي كانت تأتي من الأطراف – من حالات معينة – أو الاستدعاءات التي كانت تسلم للملك وأفراد الأسرة المالكة أثناء زياراتهم لخارج عمان، وفيها مطالب معينة تخص فرد أو عائلة. وكان القصر يرد على غالبية هذه المطالب عبر المراكز ذات العلاقة عندما كانت مؤسسات الدولة تعمل و"تمون" على الشعب. اليوم تكلّست أدوات الدولة الرسمية ومؤسساتها. وبات الديوان هو المسؤول عن حل مشاكل جميع الأردنيين بدلا من الحكومة التي فقدت الحيلة ضمن مسلسل مستمر لإضعاف ولايتها لصالح مراكز نفوذ أخرى. لا نريد لمشكلة الشباب أن تصبح مشكلة الديوان. نحتاج أن يبذل الملك عبدالله جهودا أكبر لحماية البلاد من تداعيات الحرائق الإقليمية التي تطالنا من محور "المؤامرات " – السعودية وأمريكا وإسرائيل، بدلا من أن يصرف وقته وجهده في أمور تقع في صميم عمل الحكومة والسلطة التشريعية وأدوات الحكم المحلية. الأمل أن يقوم رئيس الديوان الحالي بإلقاء هذه الكرة المشتعلة في ملعب الحكومة والنواب. ليس ثمّة علاقة ظاهرة بين هؤلاء الشباب وشباب الحراك الذين يتجمهرون مساء كل خميس أمام الرئاسة بمطالب أخرى؛ منها وقف تكميم الأفواه وفصل السلطات ومكافحة نهج الفساد والإفساد. الشباب أمام الديوان لن يرجعوا إلا وفي جعبتهم قرارات ملزمة بحسب ما يصرحون. الدولة لا تملك خيارات عديدة. لا تستطيع تشغيل المعطلين عن العمل في القطاع العام المترهل أصلا كما حصل في السابق. القطاع الخاص والمصانع هي الملاذ الوحيد لضمان تنمية مستدامة. لكن حتى سياسات الحكومة القائمة على الجباية قصيرة النظر لا تشجّع القطاع الخاص على التوسع والمصانع على الاستمرار في عملها. لماذا لا تفكر الحكومة في مشاريع تنموية محلية تساعد المجتمعات هذه على تعزيز المهارات التي كانوا يتمتعون بها سابقا من خلال توفير بعض أراضي الدولة لإقامة مشاريع زراعية مثلا تخدم المجتمعات وتنميها؟ لا ينبغي عزل المجتمعات المهمشة في الأطراف خلف أسوار لتسمح للمستثمرين من خارج هذه المناطق بالاستثمار فيها وعقد صفقات مع بعض الوجهاء المحليين لحماية استثماراتهم من غضب الناس. ولا ينبغي ان تتفاقم مشاكل شباب الأطراف على حساب اقلية مستفيدة من نهج الفساد والإفساد. فهذه الطبقة المستفيدة من مأسي الناس ستكون أول الضحايا في حال لا سمح الله تطورت الأمور وخرجت عن سياقها بسبب مغيب الحكماء ورجال وسيدات الحكم ممن كان لديهم الجرأة على قول الحقيقة ودق جرس الإنذار عند الحاجة دون الخوف من ردة فعل من وضعهم في أماكنهم. المشكلة ان العلاقة "الزبائنية" التي قامت بين الدولة وفئات كبيرة من المواطنين ميسرة بسيل من المعونات الخارجية التي نضبت اليوم أصبحت ايضا علاقة قائمة بين أصحاب القرار ومن يجلس على مقاعد الحكم ومن يعمل تحته/ها بصورة أفقية وعامودية.
[٦:٤٨ م، ٢٠١٩/٢/٢٦] باسل عكور: باسم سكجها يكتب: حول الحكومة و”الِعلم عند الله وعبدالله”
من مأثورات الحياة السياسية الأردنية ذلك القول الذي يؤكد:”لا يعرف مصير الحكومة، ولا من هو الرئيس المقبل، سوى الله وعبد الله؟”، وهذا صحيح جدّاً وأثبتته التجارب، ولكنّ هناك دائماً من يتدخّل بين الخالق وعبده فيؤكد معرفته بأمور لا نظنّها صحيحة، وفي القليل: لا نعتقد أنّها دقيقية.
وكثرت في الأسبوع الماضي "البوستات/ المنشورات” على الفيس بوك، من إعلاميين وكتّاب صحافيين وازنين، تتحدث عن قُرب تغيير الحكومة، فمنهم من كتب أنّ الطبخة على نار حامية، ومنهم من وجّه سؤالاً يتضمنّ عدّة أسماء: مَن تعتقدون سيكون من هؤلاء رئيس الحكومة المقبلة؟ ومنهم من دعا الحكومة للاستقالة قبل الاقالة، وغيرها الكثير، فاشتعلت الوسائل بالنقل والسخرية وكأنّ الأمر صار تحصيل حاصل!
عُمر حكومة الدكتور عمر الرزاز ثمانية أشهر، وكان على أصحاب التكهنات أن يسألوا أنفسهم: هل مرّت علينا تجربة سابقة لحكومة لم يتجاوز عمرها العام الكامل على الأقل، مع استثناء حكومة عون الخصاونة؟ وهل من الصالح العام تشكيل حكومة جديدة، وأكثر من ذلك: هل تتحمل الحكومة الحالية المسؤولية عن تركة ورّثتها لها عشرات الحكومات؟
التحفظات كثيرة على طريقة الأداء، من حيث البطء، وتشكيل اللجان، والتفكير الاستراتيجي الطويل على حساب العمل الفعلي على الأرض، ولكنّ مَن قال إنّ الحكومة لم تكن سيئة الحظّ بانفجار الغام عارضة أمامها، وكان عليها التعامل مع طوارئ ومستجدات لا يمكن توقعها، وفي حقيقة الأمر فحتى ومع الموسم المطري الغامر بكرمه وجاء في زمنها، بعد انحباس سنوات، كان التحذير من آثاره أكبر من استقباله بالشكر، والتفاؤل بسنة غلال!
ومقابل التحفظات، هناك نجاحات لا يمكن اغفالها، فالعجز يتقلّص، والدين الخارجي يسير في طريق التخفيض لا الزيادة، والأمل برواج لقطاعات مختلفة موجود مع فتح الحدود مع سوريا والعراق، وإعادة إنتاج روافع الاقتصاد الوطني تُنتج ولو ببطء، وحتى العلاقة مع السلطات الأخرى فقد شهدت فصلاً حقيقياً.
ما نقوله إنّ الحكومة ما زالت حديثة العهد في الدوار الرابع، وتحمل الوعد بالنجاح الباهر، وتحمل نُذر الفشل الذريع أيضاً، ولكنّها في مطلق الأحوال ستكون بعد فترة طبيعية أمام الاستمرار أو الرحيل، وهذا بالطبع لا يعلمه "إلاّ الله وعبد الله”، وليس هؤلاء الذين يأخذون دور المتنبئ الشهير ميشال الحايك، فيتحزّرون، ويتكهّنون، ويتوقعون، وللحديث بقية!
تابعو الأردن 24 على google news