jo24_banner
jo24_banner

بانوراما الحراك.. فضيلة الصمت في مواجهة "بلطجة" التفرّد

بانوراما الحراك.. فضيلة الصمت في مواجهة بلطجة التفرّد
جو 24 :

كتب تامر خرمه

محاولات اختلاق "الرأي الآخر" المناوئ لمطالب الإصلاح والتغيير، عبر دفع مجموعات البلطجيّة للاعتداء على الفعاليّات الاحتجاجيّة السلميّة، أثبتت فشلها -مجدّداً- في تحقيق أهدافها وترويع الحراكيّين، ولا سيّما في مدينة إربد التي تشهد تزايد حالات الاعتداء على النشطاء.

وسيلة قديمة.. أثبتت فشلها وعقمها في مختلف دول المنطقة، وكانت هي أولى ردّات الفعل التي لجأ إليها المركز الأمني- السياسي في بداية الربيع الأردني، ورغم تكرار الفشل، تصرّ بعض مراكز القوى على استخدام هذه الوسيلة في مواجهة المطالب الشعبيّة.. ولكن إلى أين سيقود استعار مثل هذه البلطجة اليائسة ؟!

فعاليّة إربد جاءت ردّا حاسما على محاولات إرهاب الحراكيّين، ولم تتمكّن مجموعات ما يسمّى بـ "الولاء والانتماء" من الحيلولة دون مشاركة المئات في مسيرة الجمعة. كما جابت شوارع الطفيلة مسيرة غاضبة تنديداً بهذه الاعتداءات، في حين أجبر نشطاء الحراك في العاصمة عمّان مجموعات البلطجيّة على الانسحاب من محيط مسجد أبو درويش في منطقة الأشرفيّة.. ورغم هذا فمن الواضح أن حكومة الظلّ لن تعترف بفشلها، وستمعن في مساعيها لتأزيم الأوضاع ودفع الأمور إلى مرحلة تكون السلطة نفسها هي أوّل قرابينها !!

أمّا البلطجة الرسميّة الأكثر خطورة، والتي كانت السبب الحقيقي لعودة الزخم إلى فعاليّات الجمعة الماضية، فتتمثّل بالإصرار على الانحياز الأعمى ضدّ لقمة عيش المواطن، عبر سياسة رفع الأسعار.

المساس بالأرباح البنكيّة لـ "كبار المستثمرين"، يشكّل "التابو" الذي قد يمضي كهنة رأس المال في مغامراتهم إلى أقصى درجات التطرّف للحيلولة دون تجاوزه.. وهي "البلطجة" الأكثر شراسة التي يعانيها المواطن الأردني، حيث يحرَّم على منفذّي القرار مجرّد التفكير في اللجوء إلى سياسة ضريبيّة عادلة، أو أي حلّ يحمّل رأس المال مسؤوليّاته تجاه الأزمة الاقتصادية، عوضاً عن اللجوء لجيوب الفقراء.

في كلّ دول العالم المترامية على هذا الكوكب، تهيمن على المجتمعات البشرية فئة احتكرت السلطة والثروة، وهذا الأمر ليس بالجديد، بل سبق نشوء الدول، إن لم نقل أنّه شكّل العامل الرئيس لتكوين "الدولة".. ولكن المنطقة العربيّة تميّزت بإمعان الفئة المتنفّذة في غطرستها إلى درجة تعامت فيها عن كافّة الحقائق التاريخيّة، فالمتنفّذين في معظم دول العالم الحديث، يعرفون جيّدا الحدود التي ينبغي التوقف عندها في استغلال الفقراء -تجنّبا لاندلاع الثورات- ولكن هذه السياسة لم تصل فيما يبدو إلى الزعامات العربيّة حتى الآن.

وتزيد المغامرة تطرّفاً في هذا البلد.. حيث أن بقاء د. عبدالله النسور في منصبه ليس إلا رسالة يعلن فيها النظام إصراره على ذات السياسة التي كانت السبب في اندلاع هبّة تشرين قبل بضعة أشهر، والتي جاءت في مرحلة بالغة الحساسيّة تجتاح المنطقة العربيّة برمّتها.. فإلى أيّ مدى يريد المغامرون الوصول بهذا التأزيم ؟!

الاستفزاز الرسمي يعيد الحراك إلى زخمه كلّما اعتراه بعض الفتور، الأمر الذي يحملنا على القول بكلّ صراحة، إن صنّاع القرار يستحقّون بجدارة لقب "الراديكاليّين" الذين يأبون إلا صناعة التغيير الجذري عبر سياساتهم المغامرة !!

فعاليّات الجمعة التي شهدتها كل من إربد وجرش وعمان والطفيلة ومعان ولوائيّ فقّوع والمزار الجنوبي في محافظة الكرك، تميّزت هذا الأسبوع بعودة الزخم إلى أوجه بعد أن هيمنت حالة من الفتور على بعض المناطق خلال الفترة الماضية، ولكن هل ينجح الحراكيّون في الحفاظ على هذا الزخم حتى إرغام حكومة الظلّ على التراجع عن سياساتها والاستجابة للمطالب الشعبيّة ؟

هذا التساؤل يفرض الإشارة إلى أن الحراك مازال يعاني ميل البعض إلى النزعة الاسبارطيّة ومرض التفرّد في صناعة القرار، ناهيك عن غياب المنهجيّة في نشاطات بعض القوى الناشئة، خاصّة تلك التي يفتقر أعضاؤها إلى التجربة الحزبيّة الناضجة.. ولكن ما يدعو إلى التفاؤل هو تراكم الخبرة التي اكتسبها معظم الحراكيّين على مدى عامين من الفعاليّات الاحتجاجيّة المستمرّة، ويبقى أن يرفد هؤلاء رفاق دربهم بما تمكنوا من اكتسابه.

ومن هنا تأتي ضرورة التنسيق بين مختلف القوى والتيّارات السياسيّة والشعبيّة، حيث لا يمكن لأيّة جهة بمفردها أن تحقّق شيء من أهدافها على أرض الواقع.. أمّا التفرّد فلا يمكن اعتباره سوى "بلطجة ذاتيّة" من شأنها أن تحقّق لقوى الشدّ العكسي ما عجزت عنه البلطجة التقليديّة.

التنسيق بين قوى الحراك تراجع إلى أدنى مستوياته، وذلك لأسباب مختلفة، منها تباين المواقف إزاء القضايا الخارجيّة، ورفض بعض القوى الحزبيّة الاعتراف بالقوى الناشئة، والتعامل معها على أنّها مجرّد أدوات لتنفيذ قراراتها، والميل المفرط إلى التفرّد لدى بعض المستقلّين.. كلّ هذه الأسباب -وغيرها- عبّرت عن نفسها من خلال عشق الأضواء والميل إلى إبراز الذات على حساب القضيّة الأساسيّة.

هذا ما أدركته الطليعة الحراكيّة التي آثرت العمل بصمت، وشاركت في مختلف الفعاليّات الاحتجاجيّة دون أن تعلن ذلك عبر وسائل الإعلام، بل يصرّ هؤلاء النشطاء على نكران الذات لدرجة قد يبالغون فيها أحياناً، وذلك بهدف تقديم النموذج الذي يمكّن الحراك من تجاوز كلّ أخطاء الماضي، لخلق حالة شعبيّة حقيقيّة قادرة على صناعة التغيير.. فتجد هؤلاء الفتية يلتقون مع مختلف القوى الشبابيّة والشعبيّة والسياسيّة، ويدفعون باتجّاه توحيد الجهد وتفعيل العمل المشترك، إدراكاً منهم لواقع "البلطجة الذاتيّة" التي يصنعها التفرّد، والتي ينبغي على الحراك مواجهتها قبل التفكير بأيّة فعاليّة قادمة.

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير