النظام العربي الجديد : ولادة قيصرية
د. عزت جرادات
جو 24 :
يمكن القول أن مسالة النظام العربي: حاضراً ومستقبلاً من الموضوعات التي لا تحظى باهتمام عربي من استشراف المستقبل من جهة، ومن ناحية تشكيل هذا النظام برؤية أو منهجية الدراسات المستقبلية من جهة أخرى.
وقد يعزى ذلك, وبشكل رئيسي، إلى تردي الحالة العربية: سياسات متضادة، اختلال اقتصادي، ضنك معيشي،ناحية وهن اجتماعي، واخطر من ذلك الشعور العام بالإحباط.
وأثناء اطلاعي على العدد الأخير لمجلة (فورن أفيرز) ... أيلول, تشرين الأول...لفت انتباهي عنوان دراسة على شكل (مقالة مطولة): النظام العربي الجديد: السلطة والعنف في الشرق الأوسط المعاصر.
تذهب الدراسة إلى الافتراض بأن أحداث الربيع العربي التي انطلقت عام (2011) ضد الاستبداد, وبخاصة السياسي... ستؤدي للوهلة الأولى إلى بدء تشكيل نظام عربي جديد من اجل الإصلاح الديموقراطي، والاعتزاز بحقوق الإنسان, والانتقال إلى حياة أفضل قوامها العدالة الاجتماعية وتلبية الحاجات الأساسية للمواطن العربي: المعيشية والصحية والتعليمية والتنموية ... والكرامة الإنسانية.
ولكن النتيجة بعد سبع سنوات جاءت عكسية على المجتمعات العربية ... حيث تدخل القوى الأجنبية، والحروب بالوكالة على ساحاتها, والاستبداد السياسي والإرهاب بأبشع صوره.
وأصبحت معظم دول المنطقة تواجه المشكلات الداخلية والصعوبات الاقتصادية والشباب المحبط !
تذهب الدراسة إلى القول بأن النظام العربي لم يستفد من (موجة العولمة), التي بلغت أوجها في عقد التسعينات من القرن الماضي، لإحداث التغيير السياسي والاقتصادي، وتقوية البنى التحتية، وزيادة الإنفاق على التنمية الاجتماعية، ومعالجة مسألة البطالة التي لم تكن بحدتها الحالية.
ومن ثم توجيه حاسة الاتجاه لدى النظام العربي نحو إيجاد نمط جديد من التعاون والتكامل والتضامن بدلا مما يسمى (الحل العربي المشترك) الذي أصبح شعاراً بلا مضمون.
لقد أصبح وضع النظام العربي أكثر تعقيداً: حيث هيمنة القوى الدولية، سياسياً واقتصادياً، وتضارب المصالح العربية المتمثلة بالتحالفات العربية الفرعية, وأولوية الحفاظ على الأمن والاستقرار وضعف الاهتمام بالتنمية.
وفي تقديري، وبعكس ما ذهبت إليه الدراسة، بأن النظام العربي الحالي لا يشكل أساسا لولادة نظام عربي جديد, فأنه يمكن ولادة ذلك النظام العربي الجديد قيصرياً إذا ما توافرت الفرضيات التالية:
فك الارتباط السياسي بالهيمنة الدولية بإرادة عربية موحدة شعارها (المصالح العربية أولا).
التفاعل مع الاقتصاد العالمي بمنهج تبادلي المنافع.
التعامل باحترام متبادل، أو الندية، مع دول الجوار العربي، ووضع الحد لأي تدخل خارجي.
التعامل مع الخطر الصهيوني، والمتمثل بإسرائيل، باعتباره العدو الحقيقي للنظام العربي، ماضي وحاضراً ومستقبلاً.
وأخيراً, فإن النظام العربي الجديد يعتبر من المسائل الجوهرية التي تتطلب المعالجة برؤى موضوعية تعتمد نهج الدراسات المستقبلية، وليس من مصلحة مستقبل الأمة أن يظل هذا الموضوع في المربع المظلل تحت تأثير الأوضاع العربية الراهنة, ويمكن القول أن المجتمعات العربية هي بأشد الحاجة أكثر من أي وقت مضى، للتصدي لهذا الموضوع من خلال مراكز دراسات أو مؤسسات مجتمعية تتمتع باستقلال تام لتكون نتائج دراساتها أكثر مصداقية وموضوعية والأهم من ذلك، أكثر قبولاً.