بإيجاز: سياسة البقاء الأمريكي في الشرق الأوسط
د. عزت جرادات
جو 24 :
* من الموضوعات التي تضمنها العدد الأخير لمجلة (فورين افيرز- سبتمبر- أكتوبر) موضوع يتناول بالتفصيل الدقيق والتحلي العميق: الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط: بين الاستمرار والانحسار.
يتلخص الموضوع بأن السياسة الأمريكية وبخاصة في السنتيْن الماضيتيْن أخذت طابع التغيّرات الجذرية وأحيانا المتطرفة في منطقة الشرق الأوسط، اعتماداً على سياسة (التدخل والفوضى)، وهي ما عرفت بسياسة (الفوضى الخلاّقة)، وتعبر عن هذه الحالة قرارات الرئيس الأمريكي (ترامب) غير المتوقعة، وبخاصة المتعلقة بإسرائيل والفلسطينيين، وفي التعامل مع المسألة الإيرانية، والأوضاع الملتهبة في عدد من أقطار المنطقة، وأصبح التساؤل حول (مدى استمرارية الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط) سواء في عهد إدارة الرئيس (ترامب) أو الإدارة القادمة فيما إذا لم يستمر لفترة ثانية بانتخابات (2020).
*أن المراجعة لمختلف جوانب السياسة الأمريكية في المنطقة تضع هذا التساؤل في المنطقة الرمادية فمن ناحية عسكرية لم يحدث ذلك التغير الجذري، فما يزال الوجود الأمريكي العسكري (مرابطا) في عدد من البلدان تحت شعار (المستشارين أو المدربين) ويلمس ذلك أيضاً بإعادة التوزيع أو (التموضع) للقوات العسكرية، إضافة إلى المرابطة في البحار، وهذا يدل على حرص الإدارة الأمريكية على الاستمرارية بشكل أو بآخر، كما يدل على ذلك أيضا (استمرارية) شعار (محاربة الإرهاب) والتي كان قد وصفها (بوش الابن) بحرب القرن... وفي الوقت نفسه، ربط الوجود العسكري بالتمويل، أو أن دول المنطقة تحمي مصالحها بنفسها.
* أما من ناحية سياسية، فيلاحظ أن السياسة الأمريكية تعتمد منهجية تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي الأمريكي، باستثناء دول معينة في المنطقة، واعتماد تعيين مفوضين لملفات محددة، مثل الملف الإيراني وغيره من الملفات الشائكة في المنطقة.
أما أخطر تغيير جذري ومتطرف في الوقت نفسه السياسة الأمريكية، فقد جاء في تعاملها مع قضية الشرق الأوسط، وهي ما يطلق عليها (النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني) بدلاً من (الصراع العربي- الصهيويني)، فكان الاعتراف بالقدس (عاصمة موحدة لإسرائيل) معاكساً تماماً للسياسة الأمريكية التي تعتبر القدس... المراحل النهائية في عملية السلام، ومن ثم نقل السفارة إليها، خلافاً لما اتبعه الرؤساء السابقون في التعامل مع قرار الكونغرس الأمريكي، مستخدمين صلاحياتهم في تأجيل التطبيق لمدة ستة أشهر متجددة، ووقف المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية لمشاريع التنمية، ومحاولة التضيق على (الاونروا) ومحاصرتها مالياً... وغيرها من القرارات بهدف الترويج لخطة (صفقة القرن) المزعومة والمشؤومة.
*تشير هذه الإجراءات إلى أن السياسة الأمريكية لا تقوم على تخفيض الوجود في المنطقة، فالدور ما يزال فعّالا مهما اختلف المظاهر والتداعيات، وقد تلمس بعض المرونة في جوانب معينة في السياسة الأمريكية، الأ أنها تأخذ منحى التحدي والتصدي لأي قرار دولي يتعرض لإسرائيل، سياسياً كان أم إنسانياً، وتتحول إلى موقف الدفاع بالوكالة.
*وماذا بعد ترامب؟
قد لا تقبل إي إدارة أمريكية قادمة هذه التغييرات الجذرية أو المتطرفة، في السياسة الأمريكية الخارجية، وبخاصة السياسية والدبلوماسية، وقد تسعى إلى إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه من حيث المحافظة على سياسة (الوضع القائم في الشرق الأوسط) والعودة إلى أحياء مشروع (حل الدولتيْن) باعتبار أن تلك القرارات تتنافى مع الشرعية الدولية في مجال (الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي) بشكل خاص، مع ثبات السياسة الأمريكية تجاه القضايا الأخرى في المنطقة، وفي حال استمرار الإدارة الأمريكية الحالية، فثمة تطورات أكثر خطورة في الانتظار.