من العموش إلى ماضي.. وبالعكس
لمن فاته الاطلاع على قصة الرسالتين اشير فقط الى أن العموش بعث برسالة الى ماضي يدعوه فيها الى «اشهار» اسلامه و»أن يفتح صفحة جديدة مع رب العالمين» ثم يحذره من «الالحاد» الذي لا يقدم سوى «الضياع»، فرد عليه ماضي برسالة استنكر فيها الدعوة متسائلاً عن الجهة التي كلفته بتقديم النصح والإرشاد له وفيما اذا القضية هي» وحي « نزل عليه، ومنتقداً توجيه الاتهامات له والتعامل معه بمنطق الاستعلاء واحتكار الحقيقة.
لا شأن لي – بالطبع- في الرد على الرسالتين، فمن حق الرجلين ان يعبرا عن موقفيهما بحرية، وان يختارا «العبارات» التي تعكس فهم كل منهما للآخر، كما ان من حق القارئ الكريم ان يقول فيهما ما يشاء، لكن لدي عدة ملاحظات استأذن بتسجيلها دون الخوض في التفاصيل.
الملاحظة الأولى تتعلق بالموضوع وهو «الدين» هنا، فقد انطلق العموش من منصة الدعوة فقدم نصيحة لماضي بإعلان «انه مسلم»، والافتراض القائم لدى «الداعية» هو ان «المستهدف» بالنصح ملحد، وان من واجبه هدايته وانقاذه من «الضياع»، اما الدكتور ماضي فقد انطلق من منصة «الفكر» والعقل، وافترض ان النصيحة مغشوشة، وان صاحبها يتهمه بما ليس فيه، ويريد ان يفرض عليه «ايدلوجيا» بأسلوب الداعية لا المفكر.
الافتراضات على الطرفين تحتاج الى نقاش طويل، لكن المشكلة ليست فقط في خطاب الداعية ورد المفكر كما تابعنا نموذجيه في الرسالتين (اللتين استندتا الى افتراضات لا حقائق بالضرورة ) وانما ايضاً في ازمة الثقة بينهما، وهي ازمة عميقة تتجاوز الاثنين معاً الى صميم جوهر الدعوة والفكر اللذين انطلقا منه، ثم الى عموم «النخب» في عالمنا العربي والاسلامي.
الملاحظة الثانية تتعلق «بالسياق»، فقد جرى تبادل الرسالتيين في مناخات مزدحمة بالمناجزات التاريخية بين أتباع الاديان والمذاهب والمدارس والطوائف والتيارات داخل اسوار بلداننا العربية، وهي –كما قلت- مناجزات اخذت اشكال الصراع حدّ القتل وليست حوارات ولا مناظرات، ومن المؤسف ان منطق الرسالتين يكرس الخطأ ذاته، ويعكس كما اشرت سلفاً منطق الذات العربية المجروحة التي تستغرق في الماضي، ولا تتطلع الى المستقبل، وتتمترس حول الخلافات ولا تبحث عن المشتركات، وتتمسك بالشكلانيات ولا تتعمق في فقه المقاصد والغايات.
اما الملاحظة الثالثة، فتتعلق بالأسلوب و»الغايات» من الحوار عبر الرسائل او غيرها لدى الداعية والمفكر معاً : في الاسلوب واضح من الصياغة حجم التوتر واللمز من كلا الطرفيين لبعضهما، اما الغايات فهي محددة لدى الداعية بإشهار الإسلام على افتراض ان المفكر ما زال خارج إطار «الملة» وعلى افتراض ان كل من أسلم فهو بالضرورة انسان صالح، فيما الغايات لدى المفكر هي رفض هذا «الإشهار» على افتراض ان الداعية «يفرضه»عليه بالإكراه، وعلى افتراض ان الدفاع عن سلطة العقل وحرية الانسان والقيم الإنسانية وخير الناس هو الاسلام حتى لو كان من يؤمن بها يقف ضده وخارج اطاره.