رسائل "حوار المحافظات" ..!
حسين الرواشدة
جو 24 :
حين يفقد المسؤول حضوره وادوات اقناع المجتمع بقراراته وسياساته، وحين يفقد المجتمع -أي مجتمع- قدرته على الصبر والتحمل، ويستغرق في آلامه واحزانه، ويعجز عن الحركة الا من خلال الفوضى و"دب الصوت"، وحين ينام ضمير النخب التي يفترض ان تعبر عن المجتمع او تقف الى جانب الدولة، فمن واجبنا جميعا أن (نتحسس) رؤوسنا، وأن نقف مذعورين أمام ما يمثله ذلك من خطر، فالمجتمع لا يصل الى هذه الدرجة من (الاحباط) الا اذا أحس بأن ما يجري أكبر من إمكانياته على المواجهة، وبأن ما يمكن ان يستدركه فات وقته، اما المسؤول وكذلك النخب فليس لدي اي تعليق على ما يفعلانه سوى "ربنا يستر"..
منذ بداية هذا العام تحديدا تغير المزاج العام واصبح مضطربا وقلقا بما يكفي لاستدراك الحالة وقراءتها بشكل جدي وعميق، كانت الرسائل التي تنطلق من ابسط مواطن وتفيض بها وسائل التواصل الاجتماعي تكفي ايضا لمعرفة الاتجاه الذي نسير فيه، ثم جاءت استطلاعات الرأي لتكشف لنا ما تغافلنا عنه، وبعدها خرج الناس للاحتجاج في الدوار الرابع والمحافظات.
حدث ما حدث، فاستقالت حكومة وجاءت حكومة جديدة، وعلى ايقاع الوعود "والبشائر" زاد منسوب الامل وتراجعت بعض صور الخيبة، لكن فجأة تغير المشهد تماما، وانكشف المستور، فاذا بنا امام حالة احتقان اعمق مما كنا نتصور، صحيح يسجل لحكومة الدكتور الرزاز انها كشفتها، بعد ان كانت قصصها تتردد في همس الناس وصرخاتهم في العالم الافتراضي وداخل الصالونات والبيوت، لكن الصحيح ايضا هو ان حلها وتجاوزها ليس بمقدور الحكومة وحدها وانما بيد الدولة والمجتمع ايضا.
حالة الانكشاف العام هذه ليست فقط خطيرة فيما يتعلق بما سمعناه يتغلغل داخل المجتمع من احتقانات، ولا بما اشهرته من ادانة للجميع حول ما تراكم من اخطاء، الاخطر من ذلك انها يمكن ان تفرز معادلة صفرية تقوم على اساس احساس الناس بالخسارة، وعدم اليقين والخوف من المستقبل والنقمة على الواقع، فقانون الضريبة الذي حضر هنا في المشهد لم يكن الا مجرد صاعق اشعل لدى الناس اسئلة حائرة حول الفقر والعوز مقابل الفساد والنهب، واستفهامات لا اجابات لها حول الاصلاح والتغيير، الامر الذي ادى الى قطع (كسر) حواجز الصمت والخوف وشيوع الانتقاد المرتفع السقوف، لا بل وتحدي الحكومة و القانون على مرأى من الجميع.
جاءت رسائل "حوار المحافظات" لتدق امامنا الجرس من جديد، ليس فقط لكي يصحوا اخواننا النواب من بياتهم الصيفي الطويل، ولا الحكومة من الرهان على الشعبية التي تم تسليفها لها، ومن "تقسيط" الوعود والاكتفاء بتحسين الصورة التي ما تزال تشتغل عليها، وانما ليستيقظ المجتمع وتنهض الدولة لمواجهة المرحلة الصعبة، والامساك بزمام المبادرة، وتعديل المزاج العام للناس بقررات وليس مجرد حوارات فقط.
قبل ان تتدحرج كرة الصرخات في المحافظات الى احتجاجات في الشارع، لابد ان تتحرك عجلة السياسة التي توقفت منذ سنوات، ولابد ان يغادر المسؤولون مقاعد الفرجة والرهان على صبر الناس وتحملهم، ولابد ان نستدرك غضب الناس وعتبهم بقرارات تعيد اليهم الثقة بدولتهم ومؤسساتهم، وتطمئنهم على كرامتهم وسلامة بلادهم، وتبعث فيهم الامل بسيادة القانون والعدالة، ونهاية عصر التغطية على الفساد، واستسهال تعويض الخزينة من جيوب المواطنين.