2024-11-27 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

صراخ في الشارع: أنا جائع!

حسين الرواشدة
جو 24 : اذا سألتني عن اسوأ ما يمكن ان يصاب به الناس سأجيبك بلا تردد: الشعور بفقدان الامل، اما اسوأ ما يمكن ان يصاب به المسؤول فهو الاحساس بالعجز.

بمقدور احدنا ان يقرأ وجوه الناس او ان يتسلل الى داخلهم، وسيكتشف بلا شك ان “جبلاً” من الهموم يجثم فوق صدورهم، وان اعباء الحياة التي يتحملونها تجاوزت قدرتهم على المزيد من الاحتمال، وان “صبرهم” فعلا نفد، وحين تسألهم: ما الذي حدث؟ تسمع اجابات مختلفة لكنها تصب في دائرة “الضيق من الحاضر والخوف من المستقبل”، وحين تقول لهم ان الناس في بلدنا “تآخوا” مع الظروف القاسية ومع الفقر، يوافقون على ذلك، ولكنهم يستدركون: كنا في ما مضى نشعر بالرضى ونعلّق على “الامل” بالفرج. فالظروف يمكن ان تتحسن، والقناعة مطلوبة، لكننا الان على وشك ان نفقد الامل.

امس، فاجأني صوت في الشارع القريب من البيت، رجل في منتصف الخمسينيات يبدو عليه التعب، يجوب الشارع وهو يصرخ بصوت مرتفع وحزين: “انا جوعان، واولادي لا يجدون رغيف الخبز”، صرخات الرجل العالية ظلت تتردد على مدى ساعة، لكن لم أرَ احدا من الجيران يلتفت اليها، سألت الرجل عن قصته فرواها لي، وعنوانها بالطبع “الفقر” لكن ما ادهشني ان صرخات الرجل لم تجد صداها في آذان احد، كما انها المرّة الاولى ان احس فيها “على كثرة من رأيت من صور الفقر والبؤس” بان انين فقدان الامل قد وصل فعلا الى الشارع وبدأ يصرخ باعلى صوت.

بالمناسبة، استحضرت التعليمات الجديدة التي يفكر صندوق المعونة الوطنية باصدارها “لضبط” الانفاق على الاسر الفقيرة، تصور من يملك اكثر من اربعة رؤوس غنم او بقرتين او فاتورة مياه وكهرباء بـ(30) دينارا او سيارة لاحد الابناء موديلها فوق 96 .. الخ سيحرم من “المعونة”، لا عزاء للفقراء ايضا، ولا عزاء للطبقة الوسطى التي تنتظر قانون ضريبة الدخل الجديد الذي سيتم بموجبه تحديد الاعفاء للاسر بـ”18” الف دينار للدخل السنوي.

لا اريد ان ادخل في تفاصيل “خريطة” الفقر في بلادنا، والايام الصعبة القادمة التي ستفرز اعدادا واجيالا من الفقراء لكن ما اريده -هنا- هو ان دفع الناس الى فقدان الامل بتحسين معيشتهم وظروفهم سيقودهم الى نفاد الصبر.. وهذا اخطر ما يمكن ان ننتظره.

المشكلة -ايضا- في الوجه الاخر لعملة “الاسوأ” وهو عجز المسؤول عن تقديم اجابات واضحة عن اسئلة الناس ويأسهم واحباطهم، او بدائل حقيقية تخفف عنهم هذه الضغوط الاقتصادية، او تفتح امامهم “الابواب” السياسية المسدودة.

لا اتحدث هنا عن “النوايا” فاغلب المسؤولين نواياهم طيبة، واغلب النخب كذلك، لكن ما الفائدة اذا كانت آليات العمل معطلة، والاحساس بالعجز عن تقديم الحلول او المخارج هو “الرد” الذي تسمعه مع كل “ازمة”.

باختصار، لا بدّ ان نخرج الناس من دائرة “اليأس” وفقدان الامل، وان نحيي داخلهم “الهمّة” والفاعلية ونطمئنهم على حاضرهم ومستقبلهم.


(الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير