2024-12-23 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

دهاء سياسي مغشوش..!

حسين الرواشدة
جو 24 :
في بلادنا لا يوجد اكثر من "اللجان" ، فبعد كل مشكلة او ازمة يبتدع المسؤولون فكرة "تشكيل لجنة"، سواءً لاستقصاء الحقائق او للتحقيق او للتخطيط او للتوضيح وارضاء الخواطر، وغالباً ما تمضي هذه اللجان الى "المقبرة"، طبعاً بعد ان يحتدم النقاش حولها، وتتزاحم المقترحات، ويضرب البعض على صدورهم ويوشك الجمهور ان يصدق بانه "قضي الامر" واقترب بزوغ شمس الحقيقة، وجاء الفرج.

لا اتذكر عدد اللجان التي شكلتها الحكومات (هذا يحتاج الى صحفي استقصائي) لكن ما اعرفه ان الحكومة الحالية شكلت على الاقل اربع لجان منذ اقل من خمسة شهور هي عمرها بالكامل، لا أحد يعرف أين وصلت والى أين انتهت؟ فقد انقطعت اخبارها تماما .

كما لا تسعفني الذاكرة المتعبة بأسماء عشرات اللجان التي شكلت على صعيد المؤسسات والشركات، او البرلمان اوغيرها من الجهات، ولا بنتائجها التي غالباً ما تذهب الى "طيّ الصفحة" ، او الى الانحراف عن موازين العدالة لاسباب نعرفها واخرى لا نعرفها ، او الى تغليظ العقوبات دون مبرر ودون الالتفات الى جذور المشكلة وأسبابها، او الى تحميل المسؤولية لمجهولين ، ربما يكونون مجرد أشباح عبروا اجواءنا ولم نرهم.. اما توصيات اللجان ،ان قدر لها ان تخرج ، فمصيرها الادراج المغلقة.

ارجو ان لا يبادرني القارئ العزيز بابتسامة ساخرة، او ان يمطّ شفتيه اعتراضاً على ما قلته، باعتباره "امراً واقعاً" وتقليداً عابراً للحكومات، وباعتبار ان الكلام في هذا الموضوع لا جدوى منه، كما ان اثارته تدعو الى الشفقة.. وربما الاستهزاء ايضاً.

مع القارئ حق اذا اعتقد أنني "اضرب في جسد ميت" ، او أنني انبش موضوعات قديمة وربما ليست ذات اولوية، لكن ليعذرني اذا قلت بان ما دفعني للكتابة في الموضوع امران: احدهما اعادة الاعتبار لذاكرتنا التي يتصور البعض انها اصبحت مشطوبة ومصابة بداء النسيان، وهذه تهمة لا تتعلق فقط في قضايا صغيرة مثل التي ذكرتها سلفاً وانما تتجاوزها الى قضايا اكبر واهم، سواءً على صعيد ذاكرتنا الوطنية وتاريخنا المنسّي، او ذاكرتنا القومية والاسلامية التي تعرضت هي الاخرى لمحاولات المسح والتشويه والشطب.

الامر الآخر هو ان البعض يتصور بان طيّ الملفات في ادراج "اللجان" هو الحل الافضل للخروج من الازمات، بل يفتخر هؤلاء بأن ذلك هو عين "الدهاء السياسي"، ورهانهم -دائماً- على ضعف ذاكرة الناس، فيما الحقيقة ان ذلك غير صحيح، بل وخطير ايضاً، ولدينا من التجارب ما يؤكد ان منطق الاستغفال هذا أدخلنا في أزمات متراكمة، وولد انفجارات كان يمكن ان لا تقع لو واجهناها منذ البداية بحلول واقعية وسريعة.

في ادراج المسؤولين -الآن- عشرات (ان لم اقل مئات) اللجان التي شكلت حول مشكلات وموضوعات متعددة، بعضها مضى عليه سنوات طويلة وبعضها ما زال طازجاً، خذ مثلاً لجنة التحقيق في احداث الارهاب التي اثارت الرأي العام ، خذ - ايضاً- لجنة التحقيق في انهيار العمارات في عمان والزرقاء، خذ -ثالثاً- لجنة التحقيق في قضايا الفساد (اخرها قضية الدخان) ..وغيرها وغيرها، حتى الآن لم نسمع أية اخبار عن مجريات التحقيق ولا عن نتائجه ، ثم تصور بعد ذلك الى اين ستنتهي لجنة التحقيق التي ستشكل في احداث فاجعة البحر الميت وتداعياتها المعروفة.

بالتأكيد، المشكلة ليست فقط في تراجع مصداقية اللجان، ولا في الرهان على ذاكرة الناس التي أصابها النسيان (او نقص فيتامين ب)، وانما المشكلة الاهم في فقدان الناس ثقتهم بكل ما حولهم، حتى بأنفسهم ومجتمعهم، ومحاولتهم الردّ على ذلك بالانتقام من كل شيء، حتى من مجتمعهم وأنفسهم ايضاً.
 
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير