تكريم الملك فرصة لتقديم أنفسنا للعالم
في حزيران الماضي اعلنت مؤسسة تمبلتون عن تخصيص جائرتها لعام 2018 للملك عبدالله الثاني، لم يكن الخبر مفاجئاً لمن تابع تاريخ هذه المؤسسة والاشخاص الذين تم تكريمها (عددهم 147 شخصية عالمية)، ابتداء من الام تريزا الى الدالاي لاما...وغيرهم من كبار العلماء والفلاسفة ورجال الدين، فالملك قاد منذ عشرين عاماً سلسلة من المبادرات التي تتناغم مع اهداف هذه المؤسسة الدولية المعنية بالوئام والتعايش بين اتباع الأديان السماوية.
هذا التكريم الذي حظي به الملك، كأول شخصية سياسية من العالم العربي والاسلامي، جاء في سياقين: احدهما يعكس الهواجس والمخاوف التي تنتاب الضمائر الحية في العالم من خطر أي صدام بين الحضارات أو الأديان، ومن ثم الرغبة في تقديم نماذج لشخصيات ملهمة تحاول ان تصد مثل هذه التوجهات التي تتغذى من ارث كبير للصراعات والحروب التاريخية واشتباكات المصالح والنفوذ في العالم المعاصر.
اما السياق الثاني فيعكس الدور الذي يقوم به الأردن بقيادة الملك في الاشتباك عملياً وميدانياً مع هذه النزاعات من خلال اطلاق مبادرات للتعريف بالاسلام الصحيح، ومواجهة الخارجيين على قيمه وتعاليمه، ثم التواصل مع اتباع الاديان الأخرى عبر حوارات تستهدف البحث عن المشتركات والقيم الإنسانية فيما بينهم، وصولاً الى ترسيخ قواعد فكرية واخلاقية وعملية تجنب الانسانية مخاطر الصدام والحروب والكراهية والاساءة التي غالباً بما تخرج من «تربة» الجهل والتعصب وانقطاع الحوار.
الملك كما قالت السيدة المسؤولة عن الجائزة، السيدة تمبلتون، « شخصية صقلتها المسؤوليات السياسية الا انه يعتبر الايمان وحربة التعبير الديني من اهم مسؤولياتنا وغاياتنا كبشر»، كما انه - تصنيف تمبلتون - قدم هدية للعالم تتمثل في تاكيده على التعددية داخل الاسلام في مواجهة مساعي التنمييط الزائف،وذلك في مسعى لنشر ثقافة حق الاختلاف ونشر الوئام الديني والاحترام بين 1.8 مسلم يمثلون ثاني اكبر ديانة في العالم.
في سياق الانجازات التي استحق الملك على اساسها الجائزة جاءت ايضا مسالة حماية المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس ومسالة توفير ملاذات امنة لمات اللاجئين وللمجموعات الدينية والعرقية المختلفة، كما جاءت في السياق المؤسسسي ذاته اطلاق رسالة عمان 2004 ومبادرة كلمة سواء 2006 والاقتراح باصدار القرار الاممي باعتبار الاسبوع الاول من شباط في كل عام اسبوعيا للوئام العالمي بين الاديان، بالاضاقة الى المبادرات الاخرى التي التزم بها الملك في مجالات التعليم (الوقفيات الثلاثة ) وفي المجال الديني (تطوير موقع عماد المسيح المغطس).
من المتوقع ان يتم تنظيم حفل دولي خلال الاسبوع القادم لتسليم الجائزة لجلالة الملك، لكن المهم ان هذا التقدير للدور الملكي ولمكانة الاردن ولجهود الاردنيين ومواقفهم في توطيد اواصر المحبة والوئام وتقديم افضل نموذج للعيش المشترك يمنحنا فرصة لتقديم انفسنا للعالم كممثلين للاديان السماوية السمحة بصورتها الصحيحة لا المغشوشة، ولتعزيز الثقة بانفسنا واعتزازنا ببلدنا وثقافتنا، وهي فرصة ثمينة فعلا خاصة في هذا العالم الذي تتناوشه رياح الحروب والصراعات، وتسيطر عليه نزعات الفوبيا من الاخر، وتجتاحه الكراهية – للاسف- من كل اتجاه.