للمرة الثانية: أوقفوا حراكاتكم..!!
حسين الرواشدة
جو 24 : قبل نحو عام، دعوت في هذه الزاوية اخواننا في الحراكات الى ان يتوقفوا، وقلت آنذاك انني كتبت نحو “400” مقال (تجاوزت الان الـ”500” مقال) حول “الإصلاح” وتداعياته وحواراته ومخاوف الانقضاض عليه، وانحزت بلا تردد الى حراكات الشارع ومطالبه، فلم يراودني اي شك “بنبل” هذه الدعوات ومشروعية الاحتجاجات وحق الناس في التعبير عن انفسهم بحرية ومسؤولية.
الآن، ارجو من القارىء الكريم ان يسامحني اذا دعوت -مرة اخرى- الى “وقف” هذه الحراكات على الفور، الأسباب والقناعات التي دفعتني الى ذلك لم تتغير بل ازددت قتاعة بان ما انجزته هذه الحراكات “على تواضعه” قد بلغ ذروته، وبأنها بالتالي استنفدت مشروعية استمرارها، بل سأذهب الى ابعد من ذلك واعترف بأنها اصبحت جزءا من المشكلة، وانه يجري توظيفها لابقاء الوضع على ما هو عليه، ساكنا لا يتحرك، وربما سيجري استخدامها لاحقا للاستدارة عن الاصلاح واخراجه بالصورة التي يجري تصميمها وفق مقاسات من لا يريد الاصلاح.
لا اخفي انني تعرضت حين كتبت ذلك الى موجة من العتب والغضب، وبوسع القارئ العزيز ان يعود الى المقالة (7/5/2012) ليرصد التعليقات التي استنكرت عليّ هذا التحول، لدرجة ان بعضهم حكم باخراجي من دائرة (الملة الوطنية)، لكنني اليوم وبعد ما شهدناه على امتداد عامين واكثر، اتعمد ان اعيد ما كتبته وان ادافع عنه ايضا، لا لأقلل من جهود هؤلاء الشباب الذين انارت احتجاجاتهم دروبنا، ولا لاشكك في نواياهم -معاذ الله- ولا لكي اطمئنهم بأنهم قاموا بالواجب وكفاية، وانما فقط لاقول لهم بان صدق النوايا لا يكفي، وبانهم اخذوا فرصتهم ويجب عليهم ان يتركوا الفرصة للناس كي تبحث بنفسها عن الحل واعتقد انها قادرة على ذلك لتوضيح الفكرة، قلت آنذاك انه يمكن ان نرصد ما جرى من حراكات في شوارعنا على مدى عام ونصف العام (الان اكثر من عامين)، وان نسأل: ما الذي انجزته؟ هل التعديلات الدستورية وتغيير ثلاث حكومات انجاز؟ هل ما جرى على صعيد محاسبة الفاسدين انجاز؟ هل ما تم على صعيد الاقتصاد وظروفه “الكارثية” انجاز؟ اذا اتفقنا على انها لم تدفع النظام السياسي الى اتخاذ اي خطوات اصلاحية مقنعة، فدعونا نتأمل في “صورة” هذه الحراكات: مضامين وادوات، وفي قدرتها على جذب الجمهور وتنسيق جهودها والتوحد على “افكار” وبرامج محددة ومدروسة، وفي الأثر الذي تركته لدى المجتمع ولدى المسؤولين في الحكم؟ النتيجة المفزغة هي ان هذه الحراكات ظلت تدور في فراغ، ورغم سقف شعاراتها المرتفع الا انها ظلت بمثابة “جزر” معزولة وسط مجتمع انقسم حولها.. لا تسأل هنا عن الاسباب، فهي كثيرة، ربما تتحمل الدولة والمجتمع بعضها، لكن المهم ان هذه الحراكات لم تستطع ان تتحرك الى الامام، وظلت “مقيدة” اليدين مشتتة الافكار، غير قادرة على تجديد خطابها او اقناع الناس بالانضمام لها، او دفع المسؤول -اي مسؤول- الى وضعها على جدول حساباته عند صناعة القرار.
مرة اخرى، لا يخطر في بالي ابدا ان اقلل من دور هؤلاء الشباب المخلصين الذين يقودون حراكات الشارع ولا الى “اللمز” من صدقيتهم واخلاصهم او الاستهانة بذكائهم وابداعهم، حاشا لله، فقد فعلوا الكثير وضحّوا بوقتهم وتحملوا الاساءات والسجون والمضايقات والاتهامات.. لكنْ، ثمة فرق بين النوايا الحسنة والجهود التي تبذل لتحقيقها وبين الحالة على الارض، وما ينتهي اليه المشهد في النهاية من صورة ونتائج، واعتقد -هنا- ان النتيجة التي انتهينا اليها كانت مخيبة للآمال، ومن يتحمل ذلك ليس فقط البعض الذين اشهروا “خصومتهم” للاصلاح، وانما يتحمله -ايضا- مجتمعنا كله، فقد اكتشفنا للأسف ان هذا المجتمع ما زال يعاني من “ازدواجية الشخصية” وما زال الخوف والتردد وانعدام الثقة يتغلغل داخله، وتتحمله -ثانيا- هذه الحراكات الشعبية التي “استعصت” على التطوير وعجزت عن الامساك بزمام المبادرة؛ ما جعلها -وهي بهذه الحال- عبئا على الناس الذين ارهقتهم السياسات الخاطئة وافزعتهم مقررات التراجع عن الاصلاح مع ما ينتظرهم من مقررات اقتصادية تمسّ حياتهم المعيشية.
باختصار، اذا بقي الحراك الشعبي على حاله التي الفناها منذ عامين واكثر؛ فان مصلحتنا كدعاة للاصلاح ان ندعو الى وقفة في هذه المرحلة على الاقل لا للتعبير عن الرضا والقناعة بما تحقق، ولا للصمت على ما يجري في البلد، وانما للبحث عن طريق اخرى اكثر جدوى وفائدة، لا تسألني عن هذه الطريق “الثالثة” ولكن يكفي ان اقول أن لدى مجتمعنا ما يكفي من قدرات وابداعات وخيارات لكي “يهتدي” الى حل يخرجنا من هذه الازمة.. فأهل مكة -كما يقال- ادرى بشعابها.. والناس في بلدنا “ادرى” بما يلزمهم من طرق للوصول الى الاصلاح.
لا ادري اليوم اذا كان اخواننا في الحراكات يتفقون معي ام انهم ما زالوا مصرين على رأيهم؟. لكن ذلك لا يمنع من التفكير في البديل، ربما يقول بعضهم ان هذا الطلب هو اغلى امنية لخصوم الاصلاح، ربما يقول اخرون ان الناس لا تستطيع ان تدافع عن حقوقها الا اذا تقدم صفوفها اهل الرأي والشباب المتحمسون للاصلاح، ربما يقال ايضا ان الحراكات قد اقضت مضاجع الفاسدين ودفعت المسؤولين الى وضع الف حساب لردود فعل الشارع، ربما يقال الكثير عما اجزته الحراكات وعن جدوى استمرارها، لكن ارجو ان يجيبني اخواننا عن سؤال واحد وهو: هل يعقل ان تبقى ردود افعالنا على كل ما جرى على الوتيرة ذاتها وان تتحول ايام الجمع فقط الى كرنفالات للاحتجاج فيما خصوم الاصلاح يجلسون وهم يتفرجون على المشهد الذي يتكرر منذ عامين دون ان يرف لهم جفن؟ سامحوني.
(الدستور)
الآن، ارجو من القارىء الكريم ان يسامحني اذا دعوت -مرة اخرى- الى “وقف” هذه الحراكات على الفور، الأسباب والقناعات التي دفعتني الى ذلك لم تتغير بل ازددت قتاعة بان ما انجزته هذه الحراكات “على تواضعه” قد بلغ ذروته، وبأنها بالتالي استنفدت مشروعية استمرارها، بل سأذهب الى ابعد من ذلك واعترف بأنها اصبحت جزءا من المشكلة، وانه يجري توظيفها لابقاء الوضع على ما هو عليه، ساكنا لا يتحرك، وربما سيجري استخدامها لاحقا للاستدارة عن الاصلاح واخراجه بالصورة التي يجري تصميمها وفق مقاسات من لا يريد الاصلاح.
لا اخفي انني تعرضت حين كتبت ذلك الى موجة من العتب والغضب، وبوسع القارئ العزيز ان يعود الى المقالة (7/5/2012) ليرصد التعليقات التي استنكرت عليّ هذا التحول، لدرجة ان بعضهم حكم باخراجي من دائرة (الملة الوطنية)، لكنني اليوم وبعد ما شهدناه على امتداد عامين واكثر، اتعمد ان اعيد ما كتبته وان ادافع عنه ايضا، لا لأقلل من جهود هؤلاء الشباب الذين انارت احتجاجاتهم دروبنا، ولا لاشكك في نواياهم -معاذ الله- ولا لكي اطمئنهم بأنهم قاموا بالواجب وكفاية، وانما فقط لاقول لهم بان صدق النوايا لا يكفي، وبانهم اخذوا فرصتهم ويجب عليهم ان يتركوا الفرصة للناس كي تبحث بنفسها عن الحل واعتقد انها قادرة على ذلك لتوضيح الفكرة، قلت آنذاك انه يمكن ان نرصد ما جرى من حراكات في شوارعنا على مدى عام ونصف العام (الان اكثر من عامين)، وان نسأل: ما الذي انجزته؟ هل التعديلات الدستورية وتغيير ثلاث حكومات انجاز؟ هل ما جرى على صعيد محاسبة الفاسدين انجاز؟ هل ما تم على صعيد الاقتصاد وظروفه “الكارثية” انجاز؟ اذا اتفقنا على انها لم تدفع النظام السياسي الى اتخاذ اي خطوات اصلاحية مقنعة، فدعونا نتأمل في “صورة” هذه الحراكات: مضامين وادوات، وفي قدرتها على جذب الجمهور وتنسيق جهودها والتوحد على “افكار” وبرامج محددة ومدروسة، وفي الأثر الذي تركته لدى المجتمع ولدى المسؤولين في الحكم؟ النتيجة المفزغة هي ان هذه الحراكات ظلت تدور في فراغ، ورغم سقف شعاراتها المرتفع الا انها ظلت بمثابة “جزر” معزولة وسط مجتمع انقسم حولها.. لا تسأل هنا عن الاسباب، فهي كثيرة، ربما تتحمل الدولة والمجتمع بعضها، لكن المهم ان هذه الحراكات لم تستطع ان تتحرك الى الامام، وظلت “مقيدة” اليدين مشتتة الافكار، غير قادرة على تجديد خطابها او اقناع الناس بالانضمام لها، او دفع المسؤول -اي مسؤول- الى وضعها على جدول حساباته عند صناعة القرار.
مرة اخرى، لا يخطر في بالي ابدا ان اقلل من دور هؤلاء الشباب المخلصين الذين يقودون حراكات الشارع ولا الى “اللمز” من صدقيتهم واخلاصهم او الاستهانة بذكائهم وابداعهم، حاشا لله، فقد فعلوا الكثير وضحّوا بوقتهم وتحملوا الاساءات والسجون والمضايقات والاتهامات.. لكنْ، ثمة فرق بين النوايا الحسنة والجهود التي تبذل لتحقيقها وبين الحالة على الارض، وما ينتهي اليه المشهد في النهاية من صورة ونتائج، واعتقد -هنا- ان النتيجة التي انتهينا اليها كانت مخيبة للآمال، ومن يتحمل ذلك ليس فقط البعض الذين اشهروا “خصومتهم” للاصلاح، وانما يتحمله -ايضا- مجتمعنا كله، فقد اكتشفنا للأسف ان هذا المجتمع ما زال يعاني من “ازدواجية الشخصية” وما زال الخوف والتردد وانعدام الثقة يتغلغل داخله، وتتحمله -ثانيا- هذه الحراكات الشعبية التي “استعصت” على التطوير وعجزت عن الامساك بزمام المبادرة؛ ما جعلها -وهي بهذه الحال- عبئا على الناس الذين ارهقتهم السياسات الخاطئة وافزعتهم مقررات التراجع عن الاصلاح مع ما ينتظرهم من مقررات اقتصادية تمسّ حياتهم المعيشية.
باختصار، اذا بقي الحراك الشعبي على حاله التي الفناها منذ عامين واكثر؛ فان مصلحتنا كدعاة للاصلاح ان ندعو الى وقفة في هذه المرحلة على الاقل لا للتعبير عن الرضا والقناعة بما تحقق، ولا للصمت على ما يجري في البلد، وانما للبحث عن طريق اخرى اكثر جدوى وفائدة، لا تسألني عن هذه الطريق “الثالثة” ولكن يكفي ان اقول أن لدى مجتمعنا ما يكفي من قدرات وابداعات وخيارات لكي “يهتدي” الى حل يخرجنا من هذه الازمة.. فأهل مكة -كما يقال- ادرى بشعابها.. والناس في بلدنا “ادرى” بما يلزمهم من طرق للوصول الى الاصلاح.
لا ادري اليوم اذا كان اخواننا في الحراكات يتفقون معي ام انهم ما زالوا مصرين على رأيهم؟. لكن ذلك لا يمنع من التفكير في البديل، ربما يقول بعضهم ان هذا الطلب هو اغلى امنية لخصوم الاصلاح، ربما يقول اخرون ان الناس لا تستطيع ان تدافع عن حقوقها الا اذا تقدم صفوفها اهل الرأي والشباب المتحمسون للاصلاح، ربما يقال ايضا ان الحراكات قد اقضت مضاجع الفاسدين ودفعت المسؤولين الى وضع الف حساب لردود فعل الشارع، ربما يقال الكثير عما اجزته الحراكات وعن جدوى استمرارها، لكن ارجو ان يجيبني اخواننا عن سؤال واحد وهو: هل يعقل ان تبقى ردود افعالنا على كل ما جرى على الوتيرة ذاتها وان تتحول ايام الجمع فقط الى كرنفالات للاحتجاج فيما خصوم الاصلاح يجلسون وهم يتفرجون على المشهد الذي يتكرر منذ عامين دون ان يرف لهم جفن؟ سامحوني.
(الدستور)