أهلا بكم في «الحضرات» الصوفية..!
لا توجد لدينا دراسات علمية (حسب علمي) عن تجربة التصوف في الاردن، ولا تتوافر الكثير من المعلومات عن عدد المريدين واتباع الزوايا، ولا عن علاقتها مع محيطها المجتمعي او الحركات الاسلامية الاخرى، لكن ما اعرفه هو ان بلادنا ترتبط باوشاج تاريخية ودينية لها علاقة بالتصوف، فلدينا اضرحة لاعلام من المتصوفين الكبار، أمثال الامام الجنيد البغدادي وابو سليمان الداراني وغيرهما، كما ان لدينا عشرات الطرق والزوايا الصوفية، وربما آلاف المريدين والاتباع، هنالك - مثلاً - الطريقة الشاذلية والقادرية والرفاعية والنقشبندية والخلوتية الرحمية وغيرها، ولكل منها العديد من الزوايا والمشايخ..
في السنوات الاخيرة شهدنا حراكا للتصوف، فقد أقيم مهرجانات للموسيقى والغناء الصوفي ، ثم سمعنا دعوات اعتبرت التصوف الحقيقي جزءاً من حقيقة الاسلام واصحابها ممن يجب احترامهم ورفض الاساءة اليهم، وكل هذا يعني ان الاهتمام بالتصوف واعادة الحركة الى زواياه قد بدأ فعلاً، مما انعكس على اقبال الشباب - ان شئت هروبهم - اليه، وعلى استدراك الاعلام لتجاهله نحو اجراء بعض الحوارات مع اقطابه، وعلى تجاوز المواقف السلبية تجاهه وصولاً الى ما يقارب الرضى عنه.
هذا - بالتأكيد - أمر مرحب به، اذ ان الفراغ الذي يمكن للتصوف ان يملأه ما زال شاغراً بانتظاره، كما ان امكانية استثمار هذا التراث الروحي - لكي لا نقول توظيفه سياسياً - في المجالات الاجتماعية والاخلاقية موجودة ومفيدة ايضاً، زد على ذلك ان التيارات التي حاولت اقصاء التصوف او حذفه فيما مضى، لم تفلح في تقديم البديل، او تعديل مزاج الناس، او - وهذا الاهم - تقديم صورة صحيحة للاسلام او نموذج للتدين الصحيح.
لا أتحدث - هنا - عن صور التصوف السلبية، ولا عن الدروشة التي انكفأت بأصحابها في الزوايا وأبعدتهم عن المجتمع، ولا عن الممارسات النمطية التي ألتصقت بإخواننا المتصوفة، وانما عن «الصوفية» الحقيقية، والتصوف الراشد، ذوقاً وسلوكاً فكرة ونظراً، فهماً للاسلام وللسياسة ايضا، وأكاد اجزم ان مزاجنا العام اصبح بحاجة الى احياء هذا التراث الروحي الفريد، وفتح هذا المخزون المعرفي، وتجسير ما بينه وبين غيره من التيارات من فجوات لكي يساهموا - جميعاً - في بناء مشروعنا الوطني والحضاري، وتقديم ما يلزم من حلول، لمشكلات شبابنا، او ما يلزم من اجوبة على اسئلتنا الكبرى التي ما تزال معلقة.
بقي لدي ثلاث مسائل اسجلها على هامش استدعاء تجربة التصوف : اولاها ان الاصلاح الاجتماعي ومواجهة ظاهرة الفساد والتطرف اللااخلاقي وما ولّده من جرائم وآفات يحتاج الى طاقة روحية هائلة، تستهدف تحرير الشباب من شهواتهم وضبط غرائزهم وترسيخ الايمان لديهم.. وهو عمل يمكن للتصوف ان ينجزه بامتياز، وثانيها ان الدور الاجتماعي الذي نحتاجه في مواجهة الفقر والعون والاحباط.. الخ، يمكن للتصوف ان ينهض به، ويكفي ان نذكر هنا تجربة «الرباط» الذي اسسته الصوفية لنشر قيم التكافل والتعاون داخل المجتمع، وكان افضل وسيلة للحدّ من حاجة الناس وعوزهم.
أما المسألة الثالثة فتتعلق بضرورة استدعاء تراث الصوفية وقيمها وثقافتها الذي يجمع بين الرومانسية والحكمة، والرضا والورع، والرقابة الذاتية والتوبة والذوق لانتاج المواطن الصالح النظيف، والمجتمع المؤمن المتعاضد.. والانسان القادر على الصمود في مواجهة ثقافة العصر التي حوّلته الى مجرد آلة بلا روح ولا ذوق ولا اخلاق..
هل بوسعنا ان نقول قريبا: اهلا بكم في «الحضرات» الصوفية..؟ اعتقد اننا سنفعل ذلك.