للإصلاح طريقٌ آخر
تامر الحباشنة
جو 24 :
المعلّم الفاضل (حسام أيوب)، مدرسة الإمام علي بن أبي طالب - أبو نصير، قبل عقدين من الزمن.
حصّة واحدة فقط أعطانا إياها، كانت كفيلة بأن ندرك أنّه لن يتوانى في تربية أي طالب جاهل اغترّ بنفسه حتى لو ضربه ودخل بسببه السجن!.. مَن هذا المعلّم؟.. من أين حطّت ركابه؟؟.. حمدنا الله أنّها حصة أشغال فقط، وتمنّينا ألّا يمرض أو يغيب أحد المعلمين فيعود لنا مرّةً أخرى.
تزامنَ في ذلك الوقت أن كتبت مقالة نُشرت في صحيفة أردنية، تطرّقت فيها لواقع المدرسة المحزن وأنا أراها آنذاك كعنبر رقم 6 لأنطون تشيخوف؛ فسور المدرسة يسهل الهروب منه، ودورات المياه عبارة عن نادي للمدخنين دون أبواب، والمغاسل والحنفيات معطّلة أو مبتورة، والمقاعد الدراسية تَصرّ وتموج، والنوافذ المكسورة لا تقي برد الشتاء..
ونتيجة المقال اجتمع بي المدير مع لجنة تحقيق من المعلمين ترتّب عليه أن اعتذرت! كيف لا وقد كان أخي من أبرز المخرّبين في المدرسة..
عُقد لساني وكُبحت جماحي بقيود الإحباط، وأضحى الإصلاح بعيد المدى في ظل الإمكانيات والإرادة.. رُويداً رُويدا، بدأنا نلمس تغييراً واضحًا في المدرسة، في الطلاب، في كل شيء؛ فمن كانوا يهربون أو يخرجون من الحصص أو يُوجهون للإدارة وللمرشد، كان الأستاذ حسام أيوب يستقطبهم ويحتويهم.. وبِهم،، أصلح المقاعد والأبواب والنوافذ، وزيّن أسوار المدرسة وجدرانها بالألوان والرسومات والعبارات التي أصبحت أكثر صدقًا، وجعل حديقتها غنّاء خضراء.. جعل المشغل مركزًا للصيانة والإبداع وواحةً للتعلّم، فسخّر كلّ القدرات والطاقات المدفونة في الشباب التائهين إلى إبداع وإنجازات.. كسب ودّهم واحترامهم لأنفسهم، وأصبحوا أكثر مسؤولية وأشد اهتمامًا بالعلم والعمل الذي نفعوا به ونفعهم، فشاركت المدرسة بالأعمال الخيرية والتطوّعية، وفازت بجائزة أجمل مدارس العاصمة.
بعيدًا عن الأيديولوجيات والنظريات ورأي الشارع والمشرّع فهذا النموذج حقيقي، لا يمكن تجاهله مهما بلغ الفساد بالأرض والعباد ومهما انتشر الخبث؛ لأنّ إصلاح طريق أو ماسورة أو نافذة أعظم من القرارات والخطط المجدولة وأجدى من العبارات والشعارات المناهضة.
لم ينتظر حسام أن يَصلح الحال فجأةً، أو يتربّع على كرسي القرار؛ فبادر بذراعيه وعزيمته وكانت نعمَ المبادرة وحسن الثواب.. لم يكترث لرسائل الشُكر والمدح والامتنان؛ بل دخل ساحة المدرسة صارمًا وظلّ صامدا، لم يتزحزح عن هدفه ولم يثنه شيءٌ عن تحقيق نواياه.
ولمثلِك يا أستاذ حسام ولمثلِ أي فردٍ مهما كان مجال عمله، أدّى رسالته وأخلصَ ضميرُه.. لن أرفع لك القبعة ولن أشكرك؛ علمتُك لا تنتظر ثناءً على عطاء.. سأدعو فقط أن تبقى كما أنت، وكثّر الله أمثالك.