jo24_banner
jo24_banner

شعوب حزينة بثقافات مُرهقة

تامر الحباشنة
جو 24 :



في الصين أكثر من مائة مليون شخص يعملون في صناعة الشاي فقط!
وفي مدينة مومباي الهندية هناك أكثر من نصف مليون شخص يُقدّمون مأكولات الشوارع.
وعدد موظفي أحد المواقع الالكترونية يزيد على ربع مليون شخص.
ملايين من البشر يعملون في صناعاتٍ شتّى أو يقضون حياتهم بالسياحة والزراعة وصيد الأسماك وصنع القوارب والتصوير السينمائي وصناعة العطور ومهن وعلوم غريبة لا نعمل أو نعلم بها.

هم لا يحملون معلوماتٍ وفِكر بقدرنا؛ ولا يملكون معرفةً كما نملك نحن، إذ نحرص على عدم نسيانها بتاتًا ونسعى لتنوّعها وتنميتها حتى لا نتفاجئ بسؤالٍ مُباغت بجلسةٍ ما أو مسابقة، فكُلّ منّا لديه فرصة بالمشاركة ببرنامج من سيربح المليون!

نحمل معنا كل علومنا وثقافتنا لأي مكان ولكلّ زمان ونُسخّرها بجميع المواقف كبيرها وصغيرها، بالعمل والمواصلات ومواقع التواصل حتى في شهر العسل لا تنفك تُغادرنا.
ذلك الحمل ثقيلٌ جدًّا اجتهدنا وأُجهدنا في جمعه ثمّ حمله، إذ نعلم علوم الدين والأدب والتاريخ والتكنولوجيا الحديثة، حتى الخُطط العسكرية والحروب التي عفّ عليها الزمن في مختلف أرجاء المعمورة، تمامًا كما أُوصِينا أو طُبع علينا ونفهم بكل المجالات ونقرأ الطب أكثر من أهله ونفهم بالقانون أكثر من أهله، ونقرأ جميع أشكال الأدب ونُترجم الفنون بشتّى ألوانها وكم أتخمَتنا كتب تنمية المهارات وتطوير الذات.

ذلك الحمل المتنوع المتوغل بكل تاريخ الحضارات والحروب والسياسات والذي يستشرف المستقبل مع قراءة متمحصة للواقع والأخبار لحظةً بلحظة للبقاء على اطلاع بكل ما هو جديد، لا نحمله إلّا يقينًا لدينا أنّ ذلك اليوم سيأتي حتمًا ليصدق توقعاتنا وتنبؤاتنا والعديد من أمنياتنا مهما طال الانتظار.. ولو بعد رحيلنا!!

تلك الشعوب التي تختلف عنّا نذروا أنفسهم لشيءٍ أو بضع أشياء فيما نذرنا أنفسنا لكلّ شيء، وما يُعزينا بثقافتنا عنهم ويجعلنا بنظرنا أفضل منهم هو أننا نعلم عيوبهم ومصائبهم وتاريخهم أكثر منهم، فنحمدُ الله على ما عافانا ممّا ابتلاه بهم.

الحياة العبثيّة كصخرة سيزيف، مُجهدة ومُكرّرة دون نتيجة أو غاية. وواجبٌ علينا أن نحذف كل ما لا ينفعنا فيها وما لا نحتاجه من معلومات وثقافات، مقابل أن يمتهن الواحد منّا حرفةً يستمتع بإتقانها أو حتى سيمفونية يُجيد عزفها أو حتى مُقابل رحلةٍ واحدة لاستكشاف دورة حياة الفراشة، فأوزارنا ثقيلة ولا تنفع البشرية وما عادت تُرضي غرورنا. تلك كارثة أن لا يعني تاريخ شخصٍ ما أو أُمّة شيئًا، والكارثة الأعظم أن تكون عند الله مثل دُقاق التُراب المنثور.
تابعو الأردن 24 على google news