هل ينجح الرزاز في رهاناته على الحراكيين..؟
حسين الرواشدة
جو 24 :
فيما خرج بعض نشطاء الحراك الشعبي من دار رئاسة الوزراء بعد حوار طويل مع الرئيس الرزاز بانطباعات مختلفة ، يتردد في الاوساط السياسية العديد من المقاربات والاسئلة حول مصير احتجاجات " الرابع" المزمع اقامتها غدا ، وحول سقوفها ومطالبها والفاعلين فيها وصولا الى "سيناريوهات" التعامل معها بمنطق جديد ربما يكون مختلفا ومجديا ايضا.
قبل ان اعلق على اللقاء اسجل ملاحظتين : احداهما ان ما شهدناه في الاسابيع الماضية من عودة الاحتجاجات والمطالب الى الشارع ( بعد نحو 6 اشهر على تشكيل الحكومة ) لم يكن حدثا طارئا ولا عابرا او معزولا عن سياقات حالة داخلية ، نعرف تفاصيلها، وحالة خارجية ما زالت مخاضاتها مستمرة، وبالتالي فهو حدث اصيل يعبّر عن وعي شعبي واجتماعي ، مثلما يعبر ايضا عن "ازمة" معقدة لم نفلح بعد في استشراف حلول عملية للخروج منها..
اما الملاحظة الثانية فتتعلق بضرورة قراءة خرائط الاحتجاجات في المشهد السياسي من حيث الحاضرون فيها والغائبون ومن حيث الشعارات المرفوعة ومضامينها ومن حيث عمق الازمة السياسية والاقتصادية ومآلاتها على الصعيد الاجتماعي، زد على ذلك السيناريوهات المتوقعة لاتجاهاتها سواء لاستيعابها ومحاصرتها او لتصاعدها وانفجارها .
الرئيس الرزاز دعا امس الشباب الى الاحتجاج بالرابع باعتباره حقا من حقوقهم في التعبير ، لكنه ذكرهم بان احتجاجهم سيكون مشروعا اذا ما التزم بمنطق ينسجم مع نظافة الاهداف التي خرجوا من اجلها وتطابق مع القانون الذي يطالبون باستعادة تطبيقه على الجميع ، هنا لا بد ان يفكر اخواننا الذين يتصدون لادارة الحراك بمضامين ووسائل جديدة تكفل لهم ابقاء روح الاحتجاجات متوجهة، وتقنع المجتمع بها، وتسحب من خصومهم ذرائع الصدام معهم، او العبث بأصواتهم، او العمل على تفتيت حضورهم وتشتيته.. تمهيداً لابتلاعه أو اشغاله بالدفاع عن نفسه أو تخويف الناس منه.
حين تدقق في الصورة التي وصلت امس من حوار الرئيس مع مجموعة من الحراكيين ( عددهم 25 ) من كافة زواياها ، ستجد اننا امام واقع اردني جديد وغير مألوف، فهذه المرة الاولى التي تخرج علينا فيها حكومة من دائرة الانكار والاستعلاء في علاقتها مع المجتمع ، وتعترف بعمق الازمة التي وصلنا اليها ، وتحاور مختلف الفاعلين في المجتمع حولها ، وهذه المرة الاولى التي يشهر فيها الحراكيون من داخل رئاسة الوزراء وامام رئيس الوزراء وبعض وزرائه اصواتهم ومطالبهم بصراحة ، وهي مطالب تعبر عن "وعي" الاردنيين بشكل عميق للازمة التي وصل اليها بلدهم ، وعي يتجاوز ما كانت تفكر به الحكومات من اجراءات لمحاصرته او تدجينه .
اذا كان لدى جميع الحاضرين كما سمعنا امس "قناعة" اصيلة بضرورة التغيير والاصلاح،، واذا اضفنا لذلك "خيبتهم" وصدمتهم من الواقع الذي انتهوا اليه بسبب فشل السياسة والسياسات وانسداد ابوابهما فان الرهان على اعادتهم الى الوراء واخراجهم من الشارع ومن مولد الاحتجاجات بقليل من حوارات "موالد" الحمص ووعوده يبدو رهانا خاسرا.. ومن الاجدى ان نسقطه من حساباتنا ونبحث عن خيار اخر أكثر واقعية وأقل كلفة ، وهو بالطبع معروف وعناوينه موجودة لمن يريد ان يركب قطار الاصلاح الحقيقي لكي يصل بالتالي الى محطة السلامة ، هذه التي اخشى ان البعض لا يريد لنا ان نصل اليها.
اعتقد ان الحكومة (رئيسها تحديدا ) خرج من القاعة امس بفهم اعمق لما يحدث في بلادنا ، هذا الفهم يمكن ان اسجله في نقطتين: الاولى ان هذه الاحتجاجات في اغلبها ليست فزعات عدمية ، وبالتالي فان هدفها هو المطالبة باصلاح حقيقي ، ومعنى الاصلاح الحقيقي هو احداث تغييرات جوهرية تعبر عن وعي اجتماعي وسياسي يسعى لبناء دولة مدنية محصنة من العبث ومن الفساد ومن سوء الادارة ومن الانتهازية السياسية ايضا.
اما النقطة الثانية فتتعلق بضرورة استثمار هذه الاحتجاجات بدل اشهار العداء لها او الدخول في صراعات معها، وهذا الاستثمار في تقديري هو ما يفكر به الرئيس الرزاز "كرهانات " على حواراته مع الحراكيين ، لا اعرف بالطبع : هل تنجح هذه الرهانات ام لا ، لكن مهما كانت النتيجة فانها بعثت رسائل مهمة في اتجاهات مختلفة ، كما انها شكلت خطوة اولى على بداية الطريق : طريق ردم الفجوة مع هؤلاء الشباب ومن يمثلون في المجتمع ، وطريق الدخول في مواجهة مع القوى التي تقف في وجه الاصلاح .
* المقال كُتب يوم الأربعاء، أي قبل فعالية يوم الخميس