رهان التحالفات الخارجية
تمكن الأردن على مرّ العقود من الحفاظ على وجوده بالشكل الذي نعرفه بفضل تضافر عاملين أساسيين هما: شرعية النظام وتحالفاته الدولية والإقليمية والتي مكنته من جلب المساعدات الضرورية لاستمراره. وبالفعل نشط الأردن بسياسة خارجية قوامها ترسيخ تحالفات مع قوة عظمى (بريطانيا ثم أميركا) وقوة إقليمية (تتغير وفقا لتبدل ديناميات الإقليم)، كما استلزم بقاء الأردن بقاءه منخرطا في قضايا إقليمية أهمها بطبيعة الحال القضية الفلسطينية ومكافحة الإرهاب.
في مد وجزر السياسة الداخلية لم يتأثر النظام كثيرا بالمعارضة وذلك لأن المعارضة لم تتمكن تاريخيا من ترسيخ تحالفات خارجية قوية يمكن لها صناعة الفرق، وبقي النظام محتكرا لتحالفات دولية حاسمة ساعدت الأردن في إبقاء رأسه فوق الماء. وسادت قناعة عند النخب الحاكمة بأن هناك ضرورة إقليمية لاستقرار الأردن، وعليه فإن المجتمع الدولي سيتكفل بمساعدة الأردن منعا لسيناريو الفوضى.
بعض الليبراليين الأردنيين الذين أثروا في السياسات الاقتصادية استندوا في سياساتهم إلى "مركزية” الأردن وبنوا فرضيات على رمال متحركة، والنتيجة هي ماثلة للعيان، مديونية غير مسبوقة وتعميق فجوة الثقة بين المواطن والحكومات، واستشراء الفساد، وصعوبة التعامل مع المشاكل الاقتصادية التي جاءت بفعل السياسات الاقتصادية الرسمية التي نظّر لها ودعمها هذا الفريق الليبرالي. لذلك بات الأردن أكثر اعتمادية على حسن نوايا حلفائه الدوليين وهنا مكمن الخطر.
في السياسة الدولية لا تدوم التحالفات وهي عادة ما تكون عرضة لنوع من السيولة، ما يعني أن صديق اليوم قد لا يكون كذلك في الغد، فماذا لو طلب حلفاء الأردن منه على سبيل المثال قبول صفقة القرن ورفض؟ هل ستستمر عندها الولايات المتحدة بدعم الأردن وإذا كان الجواب بالنفي نسأل عندها ما هو الحليف البديل الذي سيدعم الأردن بأكثر من مليار دولار أميركي سنويا؟ الحل عند الليبراليين هو داخلي، فالليبراليون الذين ينادون بإصلاحات لم يعرف عنهم في تاريخهم المهني بأنهم ديمقراطيون – بدليل مشاركة بعضهم بشكل مستمر بحكومات عرفية. وحتى أكون أكثر وضوحا، فإن غايات هذا الفريق ليست إصلاحية بقدر ما هي توطينية تماشيا مع رغبات حلفاء الأردن.
حكومة الرزاز التي تطالها سهام النقد ليس من غالبية الشعب الأردني فقط بل ومن أعلى المستويات السياسية لم تستوعب بعد ضرورة تقديم برنامج واضح لإخراج الأردن من دائرة الابتزاز الدولي له في قادم الأيام، وللأسف ما زال دور الحكومة كسابقاتها، وما زال النهج جبائيا بامتياز. وكل ما يقال عن برامج هو انشاء. وفي غير مناسبة يؤكد جلالة الملك بأن المطلوب هو وجود برنامج واضح يحتوي على مؤشرات قابلة للقياس.
المطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى هو تصليب الجبهة الداخلية انتظارا لتبدل التحالفات الخارجية وبخاصة بعد أن تخلى عن الأردن بعض الحلفاء التقليديين الذين باتوا يربطون بين فتات ما يقدمون وإخضاع سياسة الأردن الخارجية لأولويات بلدانهم. وفي هذا السياق نقول أن استرداد الأموال من الفاسدين يشكل خطوة كبيرة في استعادة الثقة الشعبية وهذا بدوره قد يشكل مدخلا لإصلاح شامل يساهم في تمكين المشاركة الشعبية في صناعة القرار.
بالرغم من التقدير العالي للسياسة الخارجية الأردنية والتي نجحت على مدار العقود في تأمين الحد الأدنى من مصالح الأردن إلا إنني اشعر بالتشاؤم حيال استمرار التحالفات بصيغتها الحالية، فهناك ملفات إقليمية سيقوم حلفاء الأردن بطيها ما يعني أيضا أن لحظة الحقيقة تقترب، وأسوأ ما يمكن أن يجري هو تبلور حالة يكون فيها الأردن ما بين مطرقة المطالبات الخارجية وسندان الجبهة الداخلية الهشة، وربما علينا أن نعمل بجدية على إنضاج حالة وطنية لمساعدة الأردن في الأيام الصعبة القادمة.