نكتشف اننا لم نبدأ بعد..!
حسين الرواشدة
جو 24 :
بعث الي احد الاصدقاء الاعزاء هذا التوضيح حول ما نشرته في هذه الزاوية بعنوان "مشروع البخيت على طاولة الرزاز":
(أرجو أن اوضح لكم، أن مشروع دولة الدكتور معروف البخيت، الذي أشرت إليه؛ أطلقه عام 2006، خلال فعاليات منتدى كلنا الأردن، في البحر الميت، وخلال الأشهر الأولى من حكومته الأولى.
بمعنى، ان نصف المدة تقريبا، مرّ على المشروع بعيد المدى، وثلثي المدة مرت على المرحلة الأولى والأطول منه، ولكن، دون أن نتقدم خطوة في الاتجاه الصحيح أفقيا.هناك، لا شك، خطوات مهمة تحققت عموديا، وبضغط الإرادة السياسية العليا، دون أن ترافقها مبادرات سياسية وحزبية ملائمة.
أذكر عندما أطلق الباشا مشروعه، تعرض لحملة انتقادات مزدوجة، من رجال الدولة الكبار، الذين لم يعجبهم دخول مصطلح "تداول تشكيل الحكومات"، إلى القاموس السياسي الأردني، لأول مرة، وعلى لسان رئيس وزراء عامل؛ في المقابل، هاجم مستعجلو الإصلاح، والقيادات الحزبية والمعارضة، برنامج الباشا، وتهكموا على المدة التي اقترحها، واستطولوها جدا.
بطبيعة الحال، كان مشروع الدكتور البخيت، يقوم على أساس المباشرة في حينه، بخطوات إصلاحية متدرجة وآمنة، وصولا إلى الأهداف على مرحلتين.
والآن، نكتشف بعد مرور نحو نصف المدة، وكما تفضلت في مقالك؛ أننا لم نبدأ بعد.
كل الشكر، مرة أخرى، على الكلمات المنصفة، في زمن عزّ فيه الإنصاف) . انتهى الاقتباس.
استأذن باعادة السؤال الذي اشار اليه الصديق العزيز مرة اخرى : لماذا لم نبدأ بعد؟
يمكن ان اشير الى عدة اسباب، اولها : ان مجتمعنا لم يحسم امره بعد للمطالبة بالتغيير واستعجاله، وحتى لو حدث ذلك فما زالت الرغبات في دائرة "القلب" واحيانا اللسان، فيما الجوارح ما زالت معطلة، اما لماذا؟ فثمة من يراهن على الوعود التي انطلقت وثمة من يتخوف من تكاليف القادم المجهول وحساباته وثمة من اختار ان يصمت او ينتظر او حتى يتواطأ لتمرير اللحظة بأقل ما يمكن من خسائر وفقا لجردة مصالح واعتبارات تختلف من طرف لآخر، واذا اضفت لذلك حالة الضعف والتصحر السياسي والفكري التي يعاني منها مجتمعنا على صعيد بنيته الاجتماعية ومؤسساته الحزبية والاهلية التي ما تزال تلهث خلف الشارع وتعجز عن قيادته او استثمار"فورته" و تأطيرها سياسيا، ثم سطوة التدخلات التي تدفعه في الاتجاه المعاكس، ستجد ان الدافعية السياسية والاجتماعية لم تنضج بالدرجة الكافية للضغط على المسؤول لكي يتحرك نحو الانتقال الى الاصلاح بالشكل المطلوب.
السبب الثاني هو "التركة" الثقيلة من الاخطاء والتجارب الفاشلة التي تراكمت على مدى السنوات الماضية،لدرجة اننا وجدنا انفسنا ام جدران عالية ومحصنة يصعب اختراقها ،لا على صعيد ملفات الفساد والعبث والاخلال بالمسؤولية التي تورط فيها كبار المسؤولين وانما ايضا لوجود مؤسسات وشبكات وتحالفات تعمل ضد اي تغيير او اصلاح بشكل منظم وتحاول بقوة ان يبقى الواقع كما هو،والاخطر من ذلك ان هذا "التحالف" تغلغل داخل مؤسسات البلد بشكل مفزع وما زال يحظى برعاية دائمة وبالتالي يصعب الوصول الى رؤوسه او جذوره العميقة.
السبب الثالث ان المزاج العام في الشارع ما زال يتراوح بين حالتين احداهما استلهام التغيير مما يراه من نماذج تأتي من وراء الحدود وتثير داخله نوعا من التحدي والشعور بالهمة والامل ،وحالة ثانية تجعله اكثر حذرا وتدفعه الى التأني والصبر خوفا من الدخول في سيناريوهات الفوضى والدم التي دخل فيها الاخرون.
ثمة سبب رابع وهو يتعلق هنا بمخاوف ما زالت عالقة داخل النظام السياسي من تغيير قواعد ومعادلات اللعبة السياسية، ومن ردود افعال"اللاعبين " التقليديين الذين ترتبط مصالحهم بالمرحلة الماضية، ومن اشارات ومحاذير خارجية تتبنى وصفات محددة للاصلاح، وثمة ايضا شعور بالعجز من امكانية التحرك الى الامام او اختراق الواقع الذي تراكمت فيه الاخطاء، الامر الذي ولّد تراجعا في الارادة السياسية ودفع اصحاب القرار الى التباطء في دفع استحقاقات المرحلة والاستجابة لمطالب الناس.
ثمة اسباب اخرى تتعلق بتطمينات خارجية او ضمانات اقليمية، وهذه ربما تقنع البعض بان خصوصية الاردن لا تسمح له بالذهاب بعيدا في ملف الاصلاح، وتغريه بالصبر والتحمل انتظارا لمرحلة تكشف فيها غيوم اللحظة الصعبة ويعود فيه كل شيء الى طبيعته، وبالتالي لا مبرر من الاستعجال ما دام ان الامور تحت السطرة.
للحديث بقية ايضا...