بايحاء من عجلون: الاقتصاد والسلاح
حاتم رشيد
جو 24 :
اظهرت الحادثة المؤسفة في عجلون ما هو معروف عل نطاق واسع. وهو امتلاك نسبة كبيرة من المواطنين للسلاح. في المدن والبلدات والقرى. وربما تتفاوت النسب من منطقة لاخرى. لكن الثابت ان السلاح متوفر والحصول عليه ليس صعبا على ايةحال. خاصة في الاوضاع المحيطة بالاردن حيث السلاح هو السلعة الارخص لحد مجاني.
يرتبط اقتناء السلاح لدى بعض المجتمعات العربية بقيم اجتماعية. فهو دلالة رجولية حينا وقيمة فروسية حينا اخر. و قد ازداد الميل لاقتناء السلاح في اللحظات التي ضعفت فيها هيبة الدولة وتراجع دورها بوصفها الحامي الاوحد لامن مواطنيها. و المحتكر الاوحد للسلاح. حيث يتجه المواطن يائسا لحماية نفسه عندما ينكفأ الدور التقليدي لادوات الدولة الحامية للمواطن.
ان مجرد اقتناء المواطن للسلاح لا يشكل تهديدا للامن. وليس بالضرورة ايذانا بكارثة وطنية.
اخوتنا في اليمن الشقيق هم الاكثر حملا للسلاح بانواعه واشكاله ويقدر ان حصة الفرد الواحد هي عدة قطع. ولعل من الطرائف هناك اختلاف القبائل مع الحكومة حول ما اذا كانت الدبابة سلاحا فرديا ام ثقيلا ينبغي تسليمه للدولة.
الملاحظ بوضوح ان الشعب اليمني لم يستعمل السلاح الذي يحمله حتى في ذروة الحراك الشعبي ضد الرئيس الراحل علي صالح.
خطر حمل المواطنين للسلاح ثانوي. رغم انني لا اقره واريده حكرا على الدولة. لكنني الاحظ عنادالواقع الاجتماعي الذي لا يستجيب لرغبتنا.
الباعث على الخوف هو الفقر.والخطر الذي يهدد اي مجتمع هو المستوى الاقتصادي الذي يحدد بدوره المستوى المعيشي للمواطنين. فمع اتساع قاعدة الفقر والوعي بالغبن وانعدام العدالة في تقاسم ثروات المجتع هو ما ينقل السلاح الخامل الى سلاح فاعل ويحيل العنف الكامن الى عنف منفلت.
الفقر هو وقود الفتنة. وهو سلاح التدخل الخارجي وفرصته. وكل تحولات التاريخ الكبرى للمجتمعات الحية اساسها وجذرها اقتصادي. وعندما يتمظهر الصراع باشكال اخرى سياسية او ايديولوجية فان هذه الاشكال تظل تعبيرات تكثف وتموه الاساس الاقتصادي للصراع.
الازمة السياسية بجذرها الاقتصادي هي ما تكسب السلاح القدرة على هز وارباك الامن المجتمعي او تدميره في الحد الاقصى في شروط المجتمعات التي تفتقر لنواظم ومرجعيات يمكن ان تضبط ايقاع المجتمع في لحظة انفتاح الازمة ونضجها الانفجاري.
السلاح هو عامل فني وهو في متناول المجتمعات في ظروف الفتن والازمات. وتستطيع القوى المتصارعة توفيره بسهولة مستفيدة من تناقضات اللاعبين واصحاب المصالح محليا واقليميا ودوليا. لذا الجهد الوقائي للدولة لا ينبغي ان يتجه حصرا للادوات والوسائل بل للامساك بمنبع الازمة اي بنقطة بدء المسار وليس ملاحقة المسار نفسه فعندها يكون المجتمع قد فقد فرصة وأد الازمة في مهدها.
منبع الازمة هو اقتصادي بتجلياته المتنوعة فسادا وبطالة ومديونية واستحواذا على الثروة الاجتماعية من قبل اوليغارشية باتت تستفز المجتمع بل وتتحداه دون ان تبالي بالعواقب.
السلاح ليس هو الخطر. الخطر ان يتسلح الفقر. الخطر ان يتحد الفقر مع السلاح.