«الفساد» حين خرج من «المناهل»..!
في «الازمات» فقط يمكن ان نرى صورتنا بوضوح، بلا رتوش ولا مكياج، فمن تجول في العاصمة خلال «الشتوة العابرة» رأى بعينيه كيف تحولت شوارعنا الى بحيرات ومستنقعات، وكيف خرجت المياه من «المناهل» على شكل «نوافير»، وكيف «غرقنا» جميعا في «شتوة» لم تكن مفاجئة ابدا.
حين تحدّق في صورة عمان مع «الشتوة» الاخيرة، وفي تصريحات المسؤولين عن «المستور» الذي انكشف،هل تصدق بأنه لا يوجد لدينا شبكة كاملة للصرف الصحي، وبأن ما لدينا الان ليس اكثر من «توصيلات» انتهى عمرها الافتراضي، هل يعقل ان «تغرق» عمان في ساعات دون ان تتحرك آليات الامانة لشفط المياه من الشوارع؟ هل تصدق بأن كل المليارات التي صبت في الأمانة ومشروعاتها ( 534 مليونا موازنة الامانة) لم تحرك مسؤولا للتفكير في بناء شبكة صرف تتناسب مع معدل هطول الامطار في بلادنا، اين ذهبت مئات الملايين التي دفعها أهل العاصمة دون أن يروا أثرا من خدمة؟.
هل كنا بحاجة فعلا الى هذا المشهد لكي نعرف انفسنا ونكتشف «اوجاعنا»..؟ ربما، فقد اتاحت لنا هذه «النعمة» الربانية فرصة لا تتكرر كثيرا لكي نكتشف اين اصبنا وأين اخطأنا؟ كيف نفتح طرقنا وشوارعنا المسدودة وكيف نغلق «المسارب» امام المياه التي تسربت الى بيوتنا ومحلاتنا؟ والاهم كيف نخرج من انسدادات السياسة والادارة العامة التي اورثتنا كل هذا اليأس والفوضى والارتباك.
لا اتحدث فقط عن «الطقس» وما فعله بنا، وانما اقصد ما فعلته بنا الادرة العامة والسياسة ايضا على مدى الاعوام المنصرفة، واذا كان الطقس قد كشف لنا ما فعلناه بأنفسنا، ابتداء من هذا الاهمال الذي تسبب في «غرق» عمان، مدينتنا الجميلة، الى «الفساد» الاداري الذي خرج هذه المرة من «المناهل» وقنوات الصرف الصحي والانفاق، الى اختفاء بعض المسؤولين عن الميدان، فان ما كشفته السياسة ايضا يحتاج الى وقفة اطول.
حين ندقق في «الطقس السياسي» الذي اراد البعض ان يبقيه دائما ملبداً بالغيوم والازمات، نكتشف بأن بلدنا لا يحتمل «قيراطا» من الفوضى، فقد غرقنا جميعا في «شتوة» لم تستمر الا يومين، فكيف - لا قدر الله - لو تحولت الى زلزال او عاصفة او بركان، والسؤال هنا لا يتعلق بما فعله «الناس» وانما بما فعله بعض المسؤولين الذين يريدون جر البلد الى «الاستعصاء»، وبما فعله «الفساد» في بنى المجتمع وبنى الشوارع والمدن، وبما فعله غياب المحاسبة والمساءلة حين تسود لغة «الملاومة» بين اطراف لم تستطع ان تتحمل مسؤولياتها فتوجهت الى تحميل المواطنين اعباء اهمالها وتقاعسها عن العمل.
حين ندقق ايضا في «طقس الادارة العامة» سنكتشف ما فعلته بنا التعيينات التي انزلت بعض المسؤولين بـ»بالبرشوت»، وما فعلته معايير الواسطة والمحسوبية التي اقصت الكفاءات واكرمت الاقرباء والاصدقاء واصحاب الحظوة، مشكلتنا هنا في فساد الادارة الذي خرج من قمقم غياب العدالة في التوظيف، وغياب المنطق في الاداء وتحمل المسؤولية،وغياب الاخلاص في العمل.
في مرآة «الشتوة» العابرة، على صعوبتها ومرارة شعورنا «بالخيبة» على الاموال التي هدرت لبناء «المصارف» دون ان نرى لها اثراً، وعلى «الايام» الجميلة التي كانت فيها عمان واخواتها يقفن «كالطيور» اسابيع امام موسم «الثلج» والامطار الغزيرة، في تلك المرآة رأينا «سخرية» الاردنيين التي عبرت عن افضل ما لدينا، ورأينا صورة رجل الامن والدفاع المدني والدرك وهم يقومون بواجبهم الانساني، ورأينا صورة «اعلامنا» الحقيقي الذي خرج من زحمة «التمجيد» وتوزيع بطاقات الشكر الى معترك العمل بالتعبير عن نبض الشارع ونقل معاناته ونقد الذين قصروا بحق المجتمع واساءوا لحقوق الناس.
امامنا فرصة ثمينة للمقاربة بين ما فعلته بنا «ازمة» شتاء عابرة وبين ما فعلته بنا «ازمة» سياسة وادارة عامة، ومع انه من الصعب فك الاشتباك بين الازمتين الا ان ما كشفته لنا الاولى من «كوارث» يمكن ان يفيدنا في تجاوز الثانية، كما ان ما تركته لنا الاولى من دروس يمكن ان يعيننا في التماس الحلول المناسبة لطي صفحة الاخرى.. فهل بوسعنا ان ننظر مرة اخرى في المرآة لنرى صورتنا في الازمتين؟