2024-12-23 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

لكي لا تتكرر تجربة الصدام مع (الدين)

حسين الرواشدة
جو 24 :

أخشى ما اخشاه أن تدفعنا عملية (التوظيف) التي يمارسها البعض باسم (الدين) إلى مواجهة مع (الدين) ذاته, لا اتحدث -هنا- عن التوظيف السياسي للاسلام -على خطورته- وانما عن اشكال اخرى وصلت إلى حقولنا الاجتماعية والطبية والاقتصادية وغيرها.

خطورة التوظيف - هنا - تندرج في اتجاهين: احدهما إن الذين يمارسون هذه (المهمة) يعتقدون بأنهم يتحدثون باسم الله, وبالتالي فهم (اوصياء) على غيرهم من البشر, وطهارتهم لا تسمح لهم بمشاركة الاخرين لهم في ادارة شؤون الناس, أما الاتجاه الثاني فهو أنهم مصرون على وضع (الدين) في مواجهة خصومهم, باعتبار الدين وسيلة للصراع وهدفا لهم أيضا, وباعتبار فهمهم للدين هو المسطرة التي يقاس عليها الدين نفسه, ويا ليت أن هذا الفهم صحيح, أو ان تجربة (استخدامه) ناجحة, بل على العكس تماما, مما يدفع من لا يعرف الدين حقا, بمقاصده وروحه وغاياته. الى تحميل الدين مسؤولية الخلل, وعندها تحدث الطامة الكبرى وينفر من (يحب) الدين ويتمنى حضوره للبحث عن حلول اخرى خارج سياقات الدين, وربما ضده.

حدث هذا منذ قرون في اوروبا حين اصطدم الدين بقناعات الناس وحاجاتهم, وتحول الى (عبء) على المجتمعات, وأعاق حركة الأمم, فكانت النتيجة هي الخروج نهائيا على (سلطة) الدين وعزله تماما عن الحياة وتحديد دوره داخل (دور) العبادة.

هل يريد بعض من (يوظفون) الاسلام في (تجاربهم) ومغامراتهم ان يدفعوا مجتمعاتنا للوقوع في هذا المحظور؟ بصراحة أكاد اقول بأن ذلك حصل, خذ مثلا ما يحدث في بعض الاقطار التي خرجت من ثوراتها, مثل مصر, وخذ أيضا ما يحدث في سوريا, ستكتشف بأن استحواذ (الاسلاميين) على السلطة في مصر وتوظيفهم (للدين) بشكل خاطئ من أجل اخضاع المجتمع لقبول تجربتهم, دفع البعض الى تحميل الاسلام نفسه هذا الخطأ, ووضع اخرين في مواجهة (الاسلام) ذاته, ومع أن الدين - باعتباره هدفا ساميا وقيما عالية تخاطب الانسان وتربطه بعلاقة مباشرة مع الله تعالى وتهدف الى هدايته- بريء من كل هذا, الا ان (سوء) توظيفه السياسي, وسوء استخدامه وفهمه ، وفشل “تجربة” انزال قيمة (لا احكامه فقط ) على الارض والناس جعل الناس يتخيلون أن هذا هو نسخة الدين الاصلية ،وبالتالي حكموا عليها وتمنى بعضهم لو بقيت “حكما “ يراودهم بدل أن يروها بهذا الشكل المشوه في الواقع .

في الحالة السورية ايضا ،حدث ذلك ،فجماعة “النصرة “ التي كانت تمثل وجها آخر للثورة ظلت مقبولة الى أن اندرجت في سياقات التوظيف السياسي وانحازت الى “القاعدة “ وعندها دخل الاخر على الخط ،واستدرجها الى “المصيدة “ وكان يمكن ان “تتجاوز “ ذلك كله لو لم تقحم نفسها في هذا “التوظيف “ وظلت في دائرة الاجماع الوطني التي يدور حولها المجتمع المنحاز للثورة .

باختصار ،كلام “الاسلاميين” السياسي عن الدولة المدنية وعن قيم الحرية والعدالة والمشاركة وعن معاملة الاخر بالحسنى وعن اقدام المرأة ..الخ ، هو تعبير صحيح عن مقاصد الدين ،لكن ممارساتهم العملية تبد واحيانا عكس هذا الاتجاه ،والمشكلة - هنا- أساسها اقحام الدين في السياسة ،باعتبار أن منطوق الدين حين يصل الى ارض السياسة يتحول الى منطوق آخر . فالسياسة لا تتحمل الدين ، والتوظيف في الاتجاهين يضر بالدين وبالسياسة ايضا .

لا ادعو - معاذ الله -الى فصل الدين عن السياسة والحياة العامة ، فهذا غير ممكن ابدا في مجتمعات يبدو الدين الباعث الحضاري فيها ، وانما ادعو الى فهم الدين اولا ،ووقف “توظيفه” لاي غاية سياسية اوطبية (ما اكثر المشعوذين باسم العلاج بالدين ) او اجتماعية (كم شهدنا من مُتاجِر وصل الى الثراء باسم الدين ) ، وادعو ايضا الى رفع الشعار الذي رفعه بعض اخواننا في تونس (الاسلام يوحدنا والشريعة تفرقنا ) فلندفع -اذن -باتجاه اللقاء على ارضية الاسلام ولنؤجل مسألة “الشريعة “التي تحتاج الى مجتمعات تغلغل فيها الاسلام واستقرت دولته .. بدل ان يأخذنا هذا التوظيف السيء للاسلام الى”النفور” من الدين لا قدر الله .
الدستور

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير