فاجعة نيوزيلندا تكشف هشاشة السلم المجتمعي في الأردن
د. محمد أبو غزلة
جو 24 :
* فاجعة قتل الأبرياء تكشف عن دموية الفكر الإرهابي الذي يتغذى من مرجعيات تحارب الفطرة الإنسانية
* طغم فاسدة باطنية في وطني تبرر قتل الأبرياء بما يجري من إرهاب ضد المدينين في الدول العربية
* التهديد السلمي المجتمعي في وطني يتطلب المراجعة الحقيقية وتخلي أصحاب القرار عن السياسات التي استنزفت موارد الدولة
* على المرجعيات أن تكف أيديها وتشريعاتها ووسائلها عما تبقى من كرامة للمواطن الأردني
* التطرف الديني والفكري والجهوي والقومي والسياسي هي مسببات الإرهاب ضد الأبرياء
* الأحداث الأليمة والمباريات والجهوية تكشف زيف مصطلحات الأخوة والوحدة الوطنية والعيش المشترك
من المعروف أن الإرهاب لا دين له وأنه غير مرتبط بعرق أو لون أو بقعة جغرافيا، فالتطرف الديني والفكري والجهوي والقومي والسياسي هي مسببات الإرهاب ضد الأبرياء بغض النظر عن أماكن تواجدهم ، فالديانات السماوية جميعها تجرم وتدين قتل النفس، بل إن الإنسانية والفطرة السليمة تأبى مثل هذه الجرائم من اغتيال وتفجير وغيرها من الأعمال الوحشية، وكل الأديان السماوية تتفق في عقائدها وروحها على الدعوة إلى الرحمة والتسامح والسلام والتعايش بين الناس، فالجريمة البشعة والمدانة التي تعرض لها المؤمنين المصلين المسالمين في بيت من بيوت الله تكشف عن دموية الفكر الإرهابي الذي لا زال يسطر على مجموعة من البشر جبلت بالكراهية وتتغذى من مرجعيات تحارب الفطرة الإنسانية، وإلا فبأي مسوغ تسفك هذه الدماء البريئة أو تبرر هذه الجريمة النكراء.
إن ما شهدته وسائل التواصل الاجتماعي في وطني تحديدا من خطابات مفعمة بالكراهية والحقد نفثت سمومها الأفاعي والعقارب وغذتها الوحوش من مختلف الطبقات والمعتقدات وبررتها الطغم الفاسدة من النخب المتحررة بحج أن الإرهاب والاقتتال وسفك الدماء الذي يجري في الوطن العربي هو الإرهاب الحقيقي وأن ما فعله المجرم لا يقارن بما يجرى في بلاد يعتنق أهلها الإسلام، وهي رسالة لا لبس فيها في أن ما جري من إرهاب بحق الأبرياء مبررا، لكن ولأن أهدافهم خبيثة باطنية فهم يسوغون ويكشفون مواقفهم الحقيقية متناسين أن مواقفهم خلقت بيئة من الكراهية واستطاعت أن تزرع الفتن وتنشرها بين الناس، وحولتهم إلى متطرفين ضدهم بدلا من توحيدهم على نبذ الكراهية والحقد والدعوة إلى التسامح والعيش المشترك. إن ما فعلته هذه النخب التي انساقت خلف تعليق هنا أو هناك وتدعي التحرر هو التطرف والإرهاب والجريمة والعنصرية المهيمنة على عقولهم وكشفت عن زيف ضمائرهم وعقولهم واخلاقهم وعدمية إنسانيتهم، وإن ما قاموا به من نفث للسموم هو الإرهاب والجريمة الكبرى في حق الإنسان والبشرية والحياة .
نعم إن ما يحدث في وطني في جميع الأحداث التي تعصف به وخاصة الأليمة منها والتي تحدث للأبرياء في الخارج والداخل على أيدي متطرفين بعض النظر عن دياناتهم تتفاوت حولها ردود الفعل بين مؤيد ومعارض، وما يحدث في وطني وعلى أرضه خلال لقاءات قطبي الكرة أو ما يتم التعامل معهما في حالات الشغب، أو عندما يتعرض لشخص بالإدانة من قبيلة أو عائلة أو منطقة جغرافية يبعث على الاشمئزاز، ويكشف زيف مصطلحات الهم المشترك والوحدة الوطنية والمصير والعدو المشترك ووحدة الصف والعيش المشترك والأخوة، ولعل السبب في ذلك السياسات الممنهجة والمدعومة من جهات خارجية ومتبنية من مستويات عليا والمدافع عنها لتمرير صفقات خارجية وداخلية حولت البلد إلى شركة مساهمة، وأدت إلى حالات من فقدان الثقة بين فئات المجتمع، والتدهور الأمني وزعزعة الاستقرار، وأدت إلى غياب العدالة الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص، وتفشي ظاهرة الفساد وسلب حقوق الآخرين جراء المحسوبيات والرشاوي الحكومية ، كما أفضت هذه السياسات الفاسدة إلى حالات الإرهاب الفكري والجور وغياب النظام والقانون الرادع لذلك، وأوصلت المواطن الأردني إلى حد الاكتفاء بالمطالبة بلقمة العيش الآمنة ليبقى على قيد الحياة وحققت مبتغاها.
إن ما يعشه الأردن الآن من تهديد لسلمه المجتمعي يتطلب المراجعة الحقيقية وتخلي أصحاب القرار من المستويات العليا عن السياسات التي استنزفت موارد الدولة البشرية والمادية وباعتها في سوق النخاسة وبثمن بخس، وأن تكف يديها وتشريعاتها ووسائلها عن ما تبقى من كرامة للمواطن الأردني حتى يعيش حالة السلام والوئام الانساني داخل وطنه ،ويسهم في تقدم وتطور وبناء المجتمع بالتعاون مع أفراده وقواه الحية ، وأصبح توفير السلم المجتمعي في وطني الآن هو المطلب في ظل الانفلات في الأنظمة المختلفة للدولة ليكون القاعدة الاجتماعية الاساسية التي ينطلق منها الشعب في تأمين تعايشه الديني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والتعليمي والثقافي وبما يحقق التنمية والتقدم والبناء وخدمة المجتمع والوطن.