الأردن في ظل التحديات الإقليمية والداخلية دعوة للوحدة
يمر الأردن بمرحلة حساسة ومفصلية في تاريخه السياسي والاجتماعي والاقتصادي، في ظل اضطرابات إقليمية متسارعة تتشابك مع الأوضاع الداخلية السياسية، والاقتصادية والتعليمية والاجتماعية والثقافية المتراكمة والتي تشكل ضغوطا متزايدة على الدولة والمجتمع، وبينما تحتدم الصراعات من حولنا وتتآكل أوطان عربية من الداخل، ويشهد الإقليم المحيط بالأردن عموما حالة غير مسبوقة من التفكك والتقسيم السياسي والطائفي والنزاعات والتي تطوق الأردن جيوسياسيا الأمر الذي أبقي الأردن في عين العاصفة بسبب ما فرضته هذه الأوضاع على الأردن من أعباء سياسية وأمنية واقتصادية جسيمة، لكن الأردن بفضل الله وحكمة القيادة والشعب ،وتوفر الإرادة الوطنية الأردنية الجامعة لا يزال مستقرا وقادراعلى الصمود لأن استقرار الأردن لم يعد خيارا، بل ضرورة إقليمية ودولية مما يوجب علينا تعزيز جبهتنا الداخلية، وتحصين مجتمعنا من الانقسام والفتنة التي أصبحت فئة قليلة تغذيها.
ففي ظل هذا المشهد الملتهب، تبرز أهمية الوحدة الوطنية كحائط الصد الأول في مواجهة أي محاولة لزعزعة استقرار الوطن أو المساس بأمنه الاجتماعي، وبالتالي فإن توحيد الصفوف وتغليب المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار هو السبيل الوحيد للحفاظ على الأردن قويا، متماسكا، ومنا. وهذا يتطلب وقوف جميع المكونات السياسية والاجتماعية وغيرها صفا واحدا بعيدا عن الانقسامات المناطقية أو الفئوية أو الطبقية، كما من المهم الإدراك بأن الوضع القائم في المنطقة لا يحتمل مزيدا من التصعيد أو التوتر الداخلي، خاصة حين يصدر عن مسؤولين أو ناطقين رسميين تصريحات متسرعة أو الاستفزازية تسيء للدولة ولأنظمتها الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية قبل أن تسيء للناس، وتفتح جبهات جديدة من التوتر بدلًا من دراستها ومناقشتها مع مختصينوضمن قنوات رسمية وشعبية وضع الحلول لها ، فعليهم التوقف عن افتعال أزمات سياسية أو اجتماعية من خلال تصريحاتهم أو مواقفهم المتشنجة والتي لا تخدم إلا أعداء الوطن، وتسيء لصورته الخارجية وتهز ثقته في الداخل فعلى المسؤولين أن يدركوا أن الكلمة أمانة، وأن الأردن أحوج ما يكون اليوم إلى التهدئة، لا إلى التصعيد وعليه لابد من وضع حد لتردى الحالة الإعلامية في ضوء الممارسات الإعلامية والتحريضية من فئة من الكتاب والصحفيين، وحتى بعض المسؤولين السابقين المستوزرين والذي يمارسون التحريض المقنع تحت عباءة الوطنية ويتغذون على الفتنة، ويُغذون أوساطًا شعبية يائسة بخطابات تعبئة ضد الآخر، سواء كان هذا "الآخر" من خلفية اجتماعية أو دينية أو جهة سياسية معارضة فهم يثيرون الفتن ويأججون الخلافات بين أبناء الوطن الواحد ومكوناته ودون أن يدركوا أن الإعلام أداة توعية وتوجيه، لا أداة وقودا للفوضى والانقسام،وحرية الرأي أو حتى الرأي الموجه لا يعني الفوضى، ولا يجوز أن يستغل أي توجيه أو منبر إعلامي أو منصب حكومي لضرب الوحدة الوطنية والتشكيك في رموز الشعب أو النيل من مكوناته.
فنحن اليوم أحوج إلى نبذ خطاب الكراهية والتفرقة التي يقوم بها بعض المستكبيين الطامحين، والتوقف عن محاولات التحريض بأشكاله المختلفة فكلنا أردنيون، وكلنا في سفينة واحدة، وإذا غرقت غرِقنا جميعا. كما ينبغي أن نتجاوز مرحلة تكميم الأفواه بسبب حرية الرأي والتعبير المسؤول الذي فيه مصلحة الوطن والذي يكشف مواطن الخلل والفساد، لأن الوطن القوي هو من يصون حرية أبنائه ويستمع إليهم، لا من يخاف من صوتهم خاصة إذا كان هدفة الحفاظ على وحدة الوطن وسلامته وامنه واستقراره فالتجاوزات واخذ حقوق الغير والتطاول على مقدرات الوطن والفساد هي اخطر على الوطن من التستر عليها لا سيما أننا نعيش في دولة قانون ومؤسسات، فلا بد من تحقيق العدالة والمساواة بين الناس بعيدا عن الواسطة والمحسوبية ، وأن تكون الكفاءة المعيار، لا النسب أو العلاقات أو الانتماء العشائري أو الجغرافي. وعليه من المهم أيضا تبني سياسات اقتصادية تخفف العبء عن الناس لا أن تعتمد وسائل الجباية وفرض الضرائب على الشعب، بل على الدولة ممثلة بالحكومة أن توفر لهم سبل العيش الكريم للناس، وتعيد الثقة بين الدولة ومواطنيها، فلا يمكن تجاهل حالة الضيق المعيشي التي يعاني منها المواطن الأردني في ظل التضخم الاقتصادي وتزايد الضرائب وارتفاع نسب البطالة وانحسار فرص العمل في الوقت الذي تتراكم فيه الامتيازات في يد قلة قليلة من الشعب.
إن الإصلاح لا يكتمل إلا عبر مشاركة الناس والاستماع لهم، لا عبر تجاهلهم أو منعهم من التعبير والمطلوب اليوم هو مصارحة حقيقية للناس بما يجري وما يخطط له لا سيما أنننا نتبنى تحديث سياسيا واقتصاديا وإداريا لم نلمس اثاره بعد بل على العكس فالممارسات التي نشهدها لا توشي بشيء ايجابي من بعض الموجهين في المنابر الإعلامية المختلفة والذين يعملون على تفتيت اللحمة بين مكونات الشعب ، كما أن المحسوبيات والصفقات المغلقة ما زالت هي المهيمنة على الوضع العام على الرغم من أن لأردنيين كلهم ثقة لا تتزعزع بقيادتهم الهاشمية، وحبهم لوطنهم والدفاع عنه فهذا مبدأ راسخا لديهم، فالتجربة التاريخية الأردنية أظهرت أن التماسك الداخلي كان دائما مصدر قوة، سواء في أوقات الحروب أو الأزمات الاقتصادية أو النزاعات السياسية، واليوم في ظل تعاظم المخاطر لابد من ترسيخ قيم المواطنة الأردنية الجامعة، وإعلاء المصلحة الوطنية فوق الاعتبارات الجهوية والعشائرية، وإغلاق الباب أمام أي تحريض يفرق بين مكونات الشعب، أو يشيطن مكونا اجتماعيا لصالح آخر فلم يعد مقبولًا بعد أكثر من قرن على قيام الدولة، أن ينظر لبعض مكونات الشعب بريبة، أو يشكك بولائها لحساب فئة أخرى فالأردنيون جميعا، بكل أصولهم، قدموا التضحيات لحماية هذا الوطن، ومن حقهم أن ينالوا العدالة والاحترام دون استثناء أو تصنيف، وعلى الحكومة والجهات التنفيذية الأخرى الحد من ما يجرى ، و العمل على جعل المواطن يشعر أن الدولة هي دولته، والكرامة كرامته، والمستقبل له ولأولاد ولمجتمعه ووطنه.








