هزات متلاحقة تضرب النظام التعليمي في الاردن!
د. محمد أبو غزلة
جو 24 :
من المعروف أن الأنظمة التعليمية هي من تنتج القوة الحقيقية للتنمية والتقدم وللفرد والمجتمع في أي بلد، وبالتالي تعمد الدول إلى إجراء عمليات دمج بين المؤسسات التعليمية من منطلق تحقيق نتائج تـربوية، واقتصادية، من خلال الاستثمار في التعليم لضمان مخرجات منسجمة مع متطلبات سوق العمل التنافسية الداخلية والخارجية، ولكن الهزات المتلاحقة التي تضرب كفاءة النظام التعليمي الداخلية من فقر وضعف تعليمي ، وتدني متلاحق في الأداء في الدراسات الدولية وغيرها ، وما تعرض له من هجرات قسرية وهجرات داخلية أو أبان الجائحة وضعف في أداء المعلمين واسباب اخرى ،وأيضا في كفاءته الخارجية والمتمثلة في الطلب على خريجيه وجميع تحول دون تحقيق اهدافه .
فقد كنت ولا زلت من مناصري عملية الدمج بين وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي ، ودعيت إلى إعادة التفكير بطبيعة النظام المركزي الحالي لهاتين الوزارتين والذي يجب أن يتغير ليصبح مركزيا في التشريعات في السياسات والأطر العامة والمتابعة والرقابة والمساءلة ولا مركزي في التنفيذ في الوحدات التعليمية في الميدان التربوي والتعليمي وبالتالي تخلي مركز الوزارة عن الكثير من المهام وإسنادها للميدان التعليمي، وتفاءلنا خيرا بما أعلنته الحكومة سابقا في محور الريادة والابداع في الرؤية الاقتصادية 2023 في مجال التعليم من مبادرات تتعلق دمج الهيئات الإدارية ذات الصلة بنظام التعليم في هيئة مرجعية واحدة ومتمثلة في إنشاء وزارة للتربية وتنمية الموارد البشرية من خلال دمج وزارتي التعليم العالي والبحث العلمي والتربية والتعليم، وبما يتفق مع السياق الشامل للتحديث في المسارات الثلاثة السياسي والاقتصادي والإداري أجل تحسين الكفاءة والاستخدام الأفضل للموارد المالية والبشرية في الدولة وتحسين فعالية الوزارتين وقدرتها على تقديم الخدمات وتحسين مستوى التعليم بشقيه العام والعال والمهني الفني والتقني لا أن تخالف غايات التحديث.
إن صدور الهيكلية وبموافقة مجلس الوزراء ونشرت، لن تحقق الأهداف التي جاءت من وراء إجراء عملية الإصلاح الإداري ولا حتى الاقتصادي من وجهة نظري إذا لم يعاد النظر في تنفيذها فلا يعقل أن يتم عمل مثل هذه الكيانات في ظل نظام مركزي إداري ومالي في المملكة، كما لا يعقل يعاد اجترار تجارب سابقة فاشلة في عملية إعادة هيكلة الوزارة أو دمجها مع وزارة التعليم العالي حين استحدثت دوائر وإدارات عامة للتربية والتعليم في مراكز المحافظات، ومكاتب للتربية في الألوية على الرغم من اختلاف المتغيرات المتعلقة بنطاق الإشراف وأعداد الطلبة والمعلمين وأعداد المدارس وغيرها أنداك ، وعليه ما جدوي تقليص عدد مديرات التربية والتعليم إلى ( 12) حتى وإن منحت صلاحيات أكبر وطبيعة النظام الإداري في الإشراف وتخصيص الموازنات هو مركزي بحت على الرغم من وجود تخصيص مالي على مستوى المحافظات لكن على أرض الواقع كلها إجراءات مركزية؟ وهذا ينسحب على نظام إدارة الموارد د البشرية في الاختيار والاستقطاب، والتعيين، والترقية، والتقييم، وغيرها.
وكيف يتم تقليص عدد مديريات التربية والتعليم دون الأخذ بعين الاعتبار نطاق الاشراف والمتابعة وتقديم الدعم على الرغم من اختلاف المؤشرات الإحصائية التربوية لكل محافظة ومنطقة تعليمية غير التي كانت ابات استحداث دوائر التعليم؟ إلا إذا كان هدفنا العودة للمربع الأول من غياب للمتابعة والمراقبة والدعم الفني للميدان الذي غاب في أثناء عمل الدوائر العامة للتعليم في المحافظات ، كما لا يعقل أن نسير بعكس توجهات الدول المتقدمة التي تهتم بالتعليم المهني والفني والتقني، وتستحدث له وزارات أو هيئات مستقلة لتعظيم دوره في التنمية الاقتصادية بينما نحن نفعل بعكس توجهات هذه الدول وبما جاءت به أيضا مبادرات الرؤية الاقتصادية من حيث زيادة أعداد الملتحقين بالتعليم المهني وتعظيم دورهم في تزويد السوق المحلي والعالمي بعمالة تنافسية مؤهلة ، فكيف نقوم بإلغاء ودمج مؤسسة التعليم والتدريب المهني والحاقها بمهام الوزارة الجديدة بداعي المأسسة والمحافظة على جودة مخرجاتها، والتي تمت المطالبة إنشاء هيئة مستقلة للتعليم المهني والتقني ، و ما هو جدوى نقل ترخيص الحضانات إلى وزارة التربية بدلا من وزارة التنمية الاجتماعية؟ هل هو لزيادة أعباء الوزارة بدلا من نقل ذلك لوزارة العمل.
إن استحداث أمانات خمس في الوزارة وفصل المراحل عن بعضها بعيد عن تكاملها لا يهدف فقط إلا لتفريخ مناصب جديدة وبمهام جميعها تركز على تطوير سياسات ومؤشرات خاصة بكل مرحلة ونطاق الاشراف موحد لها في مجال الموارد البشرية والمالية ، وأيضا تطوير البرامج لكل مرحلة وكأننا في منظومة التعليم نعمل في جزر متقطعة متناسيا أن فلسفة التعليم ومبادئها منظومة تكاملية وأهدافها بنائية أيضا ويجب أن تحقق المخرج النهائي لعملية التربية والتعليم، وحتى الأمانة المستحدثة والمختصة بتطوير الاستراتيجية لهذا الأمانات واستد لها توحيد السياسات وإدارة الموارد البشرية، وتسهيل عملية المساءلة فلا أعرف إذا كان هذه الاختصاصات فلماذا إذا تسند لكل أمانه وضع السياسات والخطط والبرامج والخطط، ولماذا لا تكون هذه الأمانة هي من تضع أطر السياسات والخطط الاستراتيجية والاشراف والمتابعة والمساءلة ، وتكون الوحدات التنظيمية الأخرى كما هي عليها الان ، وتكون مهماتها تطبيق سياسات وخطط وبرامج وإجراءات تنفيذية لعملية التعليم والتعلم ،وإدارة الموارد وغيريها وبالتالي نحقق تكاملية في السياسات الخطط والبرامج ، وبذلك نستغني عن الامانات المفرخة ، ونحقق الغاية الكبرى من عملية الدمج وهي ضمان المواءمة والتكامل بين المدخلات والمخرجات لمراحل التعليم وبغير ذلك فعن أي استثمار أو مواءمة وتكامل نتحدث.
وهنا يبز السؤال المهم أين دور المؤسسات أو الوحدات الملحقة بمجلس الوزراء والمعنية بتقديم التوصيات لاعتماد الهياكل التنظيمية عندما طرحت عليها هذه الهيكلية؟ وأين دور مجالس التربية والتعليم العالي، ولجان التخطيط المركزية والموسعة في الوزارتين، وأين دور أصحاب العطوفة الأمناء في الوزارة والذين هم أقرب للواقع التربوي وأدرى بما يمكن تطبيقه من الجهة التي مولت والجهة التي نفذت الدراسة ، وأين دور مدراء التربية أعني المؤهلين منهم ليس من انزل ببرشوت لموقعه إذا عرضت عليهم هذه الهيكلة مع علمنا بدور هذه المجالس واللجان .
أما فيما يتعلق بتوحيد هيئات ضمان الجودة فتجارب الدول الناجحة أبقت على هيئات أو مفوضيات الاعتماد وهيئات المهارات الفنية والتقنية كوحدات ضمن هيئة عليا لكنها لم تدمج مهامها لأن مهام ووظائف كل هيئة مختلفة عن الأخرى، وأيضا فيما يتعلق بوحدة المساءلة بجميع المراحل فيجب أن تكون جميعها ضمن مظلة واحدة وتتوسع لتشمل مراحل التعليم العالي ولا تقتصر على التعليم العام بأماناته المستحدثة والتي اعتقد بانها لن ترى النور وحتى لو نفذت بقرار إداري فغنها لن تنجح ، ومن هلا يجب أن يتم استثناء الأمانة الخاصة بالتعليم العالي من عملية المساءلة وهذا يختلف عن موضوع الاعتماد.
وأما بخصوص استحداث مجالس للتعليم الأساسي والعام ،ومجلس للتعليم العالي وتطوير المهارات والذي يضم التعليم العالي والمهني والتقني التطبيقي، فماذا اختلف ذلك عن المجالس الموجودة حاليا بغير تغيير المسميات، وكنا نأمل أن يكون هناك مجلس واحد ومستقل للتعليم العام والعالي وليس مرتبط بهيئة ضمان الجودة لأن مهام هيئة ضمان الجودة مختلفة عن فلسفة وطبيعة دور ومهام هذا المجالس وتشكيلها، وهذا ما هو معمول في مختلف الدول المتقدمة والتي لديها مجالس ليا لرسم وتوجيه السياسات للقطاعات على مستوى الدولة ، ونفس الشيء ينسحب على صندوق البحث العلمي فالدول التي تهتم بالبحث العلمي تنشئ مراكز مستقلة للبحث العلمي وتوفر له موازنات و تستقطب كوادر بشرية مؤهلة لرسم وتوجيه سياسات للدولة في القطاعات المختلفة بينما نحن ندمج مهامه مع المجلس الأعلى للتكنلوجيا وحتى وإن كان تحت إشرافه، فكنا نتمنى أن يتم إلغاء عملية الإشراف من المجلس ليكون مركز مستقلا كما في الدول لتي تهتم بالبحث العلمي و فيما يتعلق بتعظيم دور المركز الوطني للمناهج فأنني أتمنى أن يمارس هذه الأدوار المشار إليها، مع أنه المركز أصلا هو جزء من عمل الوزارة لكن لم يتم الاقتراب منه لأسباب قد نكون نجهلها رغم أنني من أنصار استقلاليته لذا اعتقد كان من المفروض أن تساق نفس مبررات بقائه على باقي الهيئات التي تم دمجها.
ومن هنا كنا نتمنى أن تصدر إعادة هيكلة لقطاعي التعليم العام والعالي لضمان تكامل بين السياسات التعليمية في القطاعين وضمن تكامل الأدوار والوظائف والمهام والمسؤوليات للتعليم بشقيه العام والعالي لأن التكامل في التخطيط للتعليـم وتنفيذيه وإدارتـه مـن مرحلـة الطفولـة حتـى نهاية المرحلة الجامعية مما سيحقق توحيد الجهـود والسياسـات والخطط والبرامج ، وسيحقق وفرا كبيرا في الموارد البشرية وفي الموازنات المخصصة لهذه الوزارات وتوجيها لخدمة اهداف النظام التعليم. وإضافة المحافظة على استقلالية الجامعات أن يتم وتقديم دعم مالي مرتبط بالأداء لهذه الجامعات، وأن تسند لها عملية القبول الجامعي ، ووفق سياسات محددة ومقرة ليتم الاستغناء عن نظام القبول الموحد الذي يخضع لمتغيرات عدة في تخصيص المقاعد وفق النسب المختلفة ومصادرها وتؤدي أحيانا إلى ضياع الحقوق هذا بالإضافة إلى تسخير عمليات البحوث والدراسات لتطوير عناصر المنظومة التعليمية في القطاعين العام والعالي، وتنسـيق جهودهـا ضمـن سـياق موحـد متكامـل يضمـن لهـا تحقيـق الهدف من عملية الدمج والمساهمة في ردم الفجـوة وتجسيـرها بيـن مخرجـات التعليـم العـام ومتطلبـات التعليـم العالـي لتكاملهما وبذلك نضمن فرص النجاح والاستدامة لهما وبالتالي إحداث نقلة نوعية في النظام التعليمي الأردني ، وبغير ذلك فإن هيكلية التعليم المطروحة والتي اعتقد بانها لن تنفذ، وأتمنى من المختصين والمعنيين بالشأن التربوي في الجامعات ومن القيادات التربوية المؤهلة من التعليم العام والتي كان لها بصمات في النظام التعليمي، أن تبدي رأيها العلمي فيها، وهي دعوة مفتوحة لهم لبيان وجهات نظرهم وبما يعمل على إعادة النظام التعليمي لمكانة التي كان عليها ، كما نتمنى أن يتدخل صاحب القرار حتى لا تكون هذه الهيكلة المطروحة المسمار الأخير في نعش التعليم..