العواودة تجسد أسمى معاني النبل والتسامح
حكاية لخصت أسمى معاني النبل والتسامح والشهامة شهدتها بلدة حسبان، ففي مساء يوم الخميس كان احد المواطنين (غالب) يقود باصا متوسط الحجم لكي يجلب الماء لاحد المساجد.. وهي عادة يقوم بها تبرعا عن روح ابيه الذي انتقل الى رحمة الله تعالى قبل عامين.
واثناء قيادته للباص في بلدة حسبان صادف غالب صديقا له تربطه به علاقات نسب، يحمل بيديه أغراضا يريد أن يأخذها لبيته. وما كان من غالب الا ان توقف وطلب من صديقه أيمن أن يركب معه لكي يوصله الى بيته. وتردد ايمن الذي قال إنه لا يريد أن يعطله، الا أن غالب اصر على أن يقل صديقه الذي يسعى لرزق أطفاله إلى منزله.
وبعد أن وصلا الى بيت ايمن، توقف الباص وحاول ايمن أن يقنع غالب بتناول القهوة والشاي، فيما يتجمّع اطفال أيمن حوله فرحين ما احضره لهم والدهم، الا أن أيمن اعتذر بلباقة عن البقاء لشرب الشاي، على اعتبار انه لم يجلب الماء للمسجد بعد، ثم نزل ايمن واغلق الباب وقال الله معك يا غالب.
وهنا.. وقعت المأساة، وحدث ما لم يكن ليخطر على بال أيمن أو صديقه، فبعد أن قام غالب بقيادة باصه شعر بأن الباص وكأنه ارتقى على حجر.. توقف لينظر الى الخلف ويتفاجأ بفاجعة أيمن، الذي كان يخرج ولده البالغ من العمر اربع سنوات ونصف من تحت الباص!
الصدمة كانت قاسية على غالب، لكنه تمكن من تمالك نفسه قليلا.. ترجل من الباص لإسعاف نجل صديقه أيمن، ولكن أيمن طلب منه أن يغادر المكان على الفور، خوفا من فورة دم أقاربه.. إلا أن غالب بطبيعته المسؤولة ابى إلا ان يحمل الطفل للمستشفى، عسى أن ينجو من الموت. وبالفعل ركب ايمن وغالب الباص وتوجها الى المستشفى.
وفي المستشفى تلقى الصديقان النبأ المحزن، حيث جاء الطبيب ليبلغهم بوفاة الطفل.. لم يتمالك أيمن نفسه من هول النبأ، فأغشي عليه، أما غالب فقد قام على الفور، وانطلاقا من شعوره بالمسؤوليّة بتسليم نفسه للشرطة.
وما أن استيقظ أيمن من حالة الإغماء، حتى سأل عن صديقه غالب، فقالوا له أنه موقوف بالسجن لأنه قام بتسليم نفسه مباشرة، فأبى أيمن إلا أن يخرج غالب من السجن فورا.
أيمن سالم العواودة، وهو من عشيرة العواودة- العجارمة، اخلى سبيل صديقه غالب (احد شباب عشيرة البراري- العجارمة)، وفي اليوم الثاني بعثت عشيرة العواودة برسالة واضحة ترحب فيها بمشاركة البراري بتشيع الطفل الى مثواه الاخير ، فكانت لفتة في غاية السمو يقدرها كل ابناء عشيرة البراري، وأكثر من ذلك، فقد رفضت عشيرة العواودة العطوة على اعتبار ان ما حدث هو قضاء وقدر وانهم لا يريدون لا عطوة ولا صلحة وان الامر منتهيا.. طبعا، عشيرتا البراري والعواودة (عجارمة) هما أول من سكن حسبان ولهما أب واحد هو شريقي ولذلك العلاقة بينهما دائما علاقة مودة وقربى لأنهم ابناء عمومة.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي تقف بها عشيرة العواودة موقفا لا يمكن وصفه الا بالتسامج والرجولة، ويذكر جميع أهل حسبان عندما قام شخص من خارج حسبان بدهس ابن مفلح عبدالكريم العواودة في سبعينيات القرن الماضي وكان ابنه الوحيد، فما كان من المرحوم مفلح العواودة الا ان طلب من السائق بأن يغادر المكان قبل أن يصل اقرباؤه وتتطور الأمور، وبعد ذلك تم العفو عن السائق.