آفاق صفقة القرن
حاتم رشيد
جو 24 :
تعود الجذورالقريبة للصفقة الى الطموح السياسي لدونالد ترامب .فهذا الملياردير كان يسعى الى تحقيق التكامل بين الوجاهة المالية والوجاهة السياسية.وبدا ان البيت البيض هو الضمانة الاقوى لهذا النفوذ المنشود.ترامب ليس رجلا حزبيا وليس ذو الهام ايديولجي.رجل مال واعمال تحركه مصالح وطموحات شخصية.
كان من المنطقي ان يتجه الرجل ضحل الثقافة الى قاعدة اجتماعية تتناغم وشعبويته.وجد الرجل قوى تحتاجه وتحسن استغلاله والاستفادة منه.قاعدة اجتماعية تلوثها ميول عنصرية انعزالية . وقناعات دينية غيبية تشدها لولاء روحي اعمى لاسرائيل. على هذه الارضية وقف ترامب. ليجد نفسه في احضان اللوبييات الصهيونية. التي التقطته كفرصة ذهبية لتنفيذ خطط محفوظة في الادراج منذ عشرات السنين. وهي ما تمثل الجذور البعيدة للصفقة.جاء ترامب ليكون الفرصة المنتظرة.وللتدقيق في مضمون هذه الفرصة علينا ان نتذكرالسيد بينيس نائب ترامب الرجل التوراتي المتفوق بصهيونيته على هرتسل ونتنياهو.
المقايضة تكاد تكون معلنة. انتخاب ترامب وحمايته مقابل تبني امريكي لا سابق له للكيان الصهيوني. متضمنا خطة منهجية متكاملة تهدف لادماج اسرائيل من موقع السيطرة والتفوق على العالم العربي.التسليم بالاحتلال الاسرئيلي لكامل فلسطين هو منطلق المقايضة .وليس من قبيل الصدفة ان يعلن ترامب موافقته على السيادة الاسرائيلية على هضبة الجولان السورية المحتلة.ولتأكيد موقفه ادلى وزير خارجيته بومبيو بتصريح دعم فيه موقف ترامب بحماسة دينية. وقد سبق وان تخلت وزارة الخارجية الامريكية عن وصف الجولان والضفة الغربية بالمناطق المحتلة.
وحتى لا يقع ادنى خلل في تنفيذ الاهداف الصهيونية. فقد كلف اليهود الصهاينة انفسهم بصياغة تفاصيل الخطة.بقيادة جاريد كوشنر زوج ابنة ترامب المتهودة. كوشنر ليس مجرد فرد ساذج وليست موهبته انه صهر ترامب فهو شاب ملم بملفه ويفهم دوره بذكاء.وفي كل الحالات خلفه المؤسسات الصهيونية.
يتمسك كوشنر بسرية الخطة ولم يعلن تفاصيلها.مبررا ذلك بان دراسة اسباب فشل مبادرات السلام السابقة يرجع لكشفها وعدم التزامها بمبدأ السرية.الزعماء العرب يشعرون بالحرج عندما تعلن تنازلاتهم للشعوب العربية.وعلى حد قوله فقد استغرق اعداد الخطة عامين. ويعد بنشر تفاصيلها بعد الانتخابات الاسرائيلية في نيسان ابريل المقبل. ولم يفته ان يذكر بأن الزعماء العرب والاسرائييليين المعنيين كانوا يطلعون على الخطة خا صة بعدها الاقتصادي.
يقول كوشنر ان العداء لاسرائيل هو العنصر الموحد للعرب. لذا يتوجب تحطيم هذا العامل الذي يوحدهم. ويتم ذلك بانهاء حالة العداء. وادماج اسرائيل من خلال تحالف عسكري ترعاه واشنطن. ظهرت ملامحه في المؤتمر الذي نظمته في وارسو.وبهذا الصدد نلاحظ انها عينت جنرال متقاعد سفيرا لها في الرياض هو السيد جون ابو زيد.ويرتكز هذا التحالف على اقليم اقتصادي موحد. ويصرح كوشنر بان الدول المرشحة لان تستفيد اقتصاديا من الصفقة مباشرة.هي الاردن ومصر ولبنان.اضافة لاسرائيل والفلسطينيين.
يتعهد كوشنر ضمنا بوحدة الضفة والقطاع .وهذا يعني ان حماس مخيرة بين القبول الطوعي او الاخضاع بالقوة .وتأتي ضمن هذا المعنى الاحتجاجات الاخيرة التي واجهتها حماس بقمع مفرط القسوة.فهي تريد ان يكون لها ملعبها الخاص المستقل عن رام الله.
جوهر الصفقة هو احتلال اسرائيلي لكامل فلسطين وهضبة الجولان. واعطاء الفلسطينين مزايا اقتصادية وتيسير مسار حياتهم اليومية.من دون الحديث عن دولة ذات سيادة.ربما يكون هناك وعد بدولة لاجل غير مسمى لتسهيل تمرير الصفقة.لن تكون هناك دولة فلسطينية مطلقا رغم اي تحايلات لفظية.واحد صيغ الخداع قد يتمثل بمرابطة قوات امريكية واطلسية لخلق انطباع كاذب يخفف الظل الثقيل للاحتلال الاسرائيلي المباشر.ومن الجدير بالذكر ان الرئيس ابو مازن اشار الى القوات الاطلسية كخيار مقبول. واتوقع ان هذا العرض قد قدم له من خلال جهات عربية.ويلاحظ ان ابو مازن يتحرك بنشاط متنقلا بين القاهرة وعمان والرياض.ولا يخفى عليه ادق تفاصيل الصفقة.ومن الصعب توقع رد فعله النهائي.
تنطوي الخطة على حلول لما يسمى قضايا الحل النهائي.خاصة قضية اللاجئين فيما يعتبر حلا وسطا.وقد حددت واشنطن عدد اللاجئين باربعين الف.ونزعت صفة اللاجئين عن ستة ملايين اخرين.وهذا يعني ان العودة هي رمزية فقط.الاربعون الفا هي ما تعتزم واشنطن ان تطرح امكانية عودتهم لطي ملف اللاجئين.
حديث كوشنر عن الحرية والكرامة والاحترام قد يترجم باحلال قوات اطلسية في البلدات وما بينها. وعلى المعابر الحدودية. لخلق اطباع بانحسار الاحتلال. وبما يجنب المواطنين اذلال الحواجز الاسرائيلية.
ويتعهد كوشنربترسيم للحدود بين كيان لا يرقى لتعريف دولة مع دولة اسرائيل. وبما يزيل الحدود عمليا. اي انها حدود وهمية على الورق.وهذا ينسجم مع الرهان والجوهر الاقتصادي للخطة.انها دولة واحدة هي اسرائيل.انه حل الدولة الواحدة لكن الاسرائيلية العنصرية. يستطيع العربي فيها ان يكون عاملا او حتى مستثمرا بغير سيادة.ويرافق ذلك بنية تحتية محدثة وفعالة في الضفة والقطاع بما فيها التشريعات والتدريب. الذي يكفل الديناميكية الاقتصادية المتطورة.كرشوة لشعب حرم من الاستقلال وحق تقرير المصير.
الحدود المفتوحة تشمل دول الجوار العربي. والا لا معنى لحل اقتصادي اقليمي.
صيغة التنازلات المتبادلة التي يبشر بها كوشنر .تعني تنازل الطرف الفلسطيني عن مبدأ الدولة المستقلة. والقبول بحل رمزي لحق العودة للاجئين. مقابل اعادة انتشار لقوات الاحتلال الاسرائيلي مع احتمال القبول بمشاركة قوات اطلسية في الجوهر امريكية.
تقوم الخطة الامريكية على الخداع بطريقة يبدوفيها الطرف العربي وكأنه حقق مكاسب هامة بما يحفظ له ماء الوجه .
تنفرد الخطة المزمع اعلانها بأنها تحظى بقبول انظمة عربية مؤثرة.وهي ميزة لم تتوفر بهذا القدر من القوة والوضوح في كافة المبادرات والخطط السابقة.ونشأت حالة الرضى والتواطؤ العربي من حالة الضعف والتمزق والاحتراب التي يغرق فيها العالم العربي.علاوة على انقسام وتناحر مشين في الصف الفلسطيني.وبالتالي فأن حظوظ هذه المبادرة تتقدم على ما سبقها من مبادرات.حققت الخطة اختراقات ونجاحات هامة حتى الان لكن استكمال نجاحها لمصلحة اسرائيل ويا للمفارقة قد يتوقف على اسرائيل نفسها. ربما يواجه البعض من القادة العرب حرجا ثقيلا خاصة بعد اعلان ترامب الخاص بالجولان. لكن هذا الحرج قابل للاحتواء. فالدبلوماسية الامريكية تملك ترسانة كاملة من البلاغة اللفظية والشكلية المكرسة لحفظ ماء الوجه.
صحيح ان الصفقة ليست نهاية التاريخ لكنها تظل عنوانا لصفحة فضائحية من تاريخنا كشعب وامة.
تصحح الامم مسارها الخاص وهذا ماتقدر عليه الامة العربية لكن ليس بالمعطيات القائمة. وهي لحسن الطالع غير قابلة للدوام.ففي النهاية اسرائيل ليست كابوسا بلا نهاية.